كلما رحل عزيز
تداعت إلى ذهن الإنسان منا وجوه غالين وغاليات.. رحلوا من دنيانا وأسكناهم بطن الأرض بعد أن كانوا بيننا على ظهرها يملؤونها حيوية ويثرونها عطاء!.
إننا نتذكر قسمات وجوههم، وجميل أحاديثهم، وإضاءات ابتساماتهم، وبهيَ رحلاتنا وجلساتنا وذكرياتنا معهم!.
نكاد - لولا الإيمان بالله، ويقيننا بأن الموت حق - لا نصدق أنهم رحلوا عن دنيانا.. وأن تلك الأجساد النابضة بالعطاء، والقلوب المتألقة بالبشر أصبحت جثثاً هامدة تحت التراب، بل نحن حثونا التراب عليها لنواريها فيه. وقد نمشي عليها فلنخفف الوطء - كما نصح المعري - فقد يكون أديم هذه الأرض من أجسادها!.
أو أن هذا الثرى - كما تخيل الخيام - من أعين كانت ساحرة الاحورار.
* * *
** لقد تداعت هذه الأفكار الشجية إلى وديان ذاكرتي المفجوعة بفقد الكثيرين الغالين والغاليات وأنا أتلقى نبأ فجيعة رحيل عزيز حميم هو معالي صديقنا وزميلنا معالي د. صالح بن عبدالله المالك رحمه الله وغفر له.
إن هذا الراحل لم يفقده أقاربه أو أحباؤه أو أصدقاؤه أو زملاؤه، بل فقده الوطن بوصفه أحد رجالاته الذين أسهموا في تنميته والعطاء له ولثقافته.
لم يكن - رحمه الله - إدارياً فقط أو شورياً فقط أو أديباً وشاعراً أو باحثاً لغوياً واجتماعياً، لقد كان كل ذلك فضلاً عما يتمتع به من أخلاق رفيعة وسجايا نادرة.
* * *
لقد فقدت شخصياً (أبا هشام) الذي ارتبطت معه منذ سنوات طويلة بوشائج أدبية وثقافية هي أبقى وأنقى من كل الوشائج.
لكم تبادلت معه أبيات الشعر، وجميل القول وكم تناقشت معه في (مسائل) تخص لغتنا التي يعشقها، وكم جلسنا نستمع إلى طرائفه وأحاديثه العذبة رحمه الله.
لقد كان إنساناً على قدر كبير من شمولية الثقافة وسعة الاطلاع، وفصاحة اللسان، والجلد على البحث، وسماحة النفس، وصدق المودة، ولم أره - رحمه الله - متذمراً أو شاكياً حتى عندما أعياه المرض لم يكن يشكو إلا لله وحده.
ولقد صبر وصابر قبل ذلك على مرض ابنه، واستبدل الشكوى بالسعي إلى علاجه، وجعله شاباً ينتصر على مرضه، ويسهم في خدمة وطنه، أتم الله عليه لباس الشفاء، ورحم والده، وجمعهما في جنة المأوى في دار لا أمراض ولا أشجان ولا فراق فيها. أسأل الله أن يجزيه بجزاء الصابرين الذين قال عنهم سبحانه: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ، سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ}سورة الرعد (23 - 24).
* * *
** أبا هشام كأني أراك على مقعدك في مجلس الشورى تقوم بأداء رسالتك في جلسات المجلس بوصفك أمينه العام.. ها هو مقعدك يخلو منك.. أسأل الله أن يعوضك عنه في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
بقي - أخيراً - أن أدعو أسرته أن يتنادوا إلى جمع إنتاج وعطاءات وبحوث ومحاضرات الراحل ذات التنوع والثراء المعرفي سواء في المناحي الدينية أو الأدبية أو الاجتماعية لتكون أمام الأجيال شاهداً على ما قدمه الراحل لدينه ووطنه وثقافته، ومذكراً بالدعاء له والترحم عليه رحمه الله.
(*) عضو مجلس الشورى