لا أحسب أن خصائص نمو النشء تخفى على المختصين غير أن الفئات العديدة التي تتعامل معهم ليسوا جميعهم من ذوي الاختصاص؛ لذا يبيت من الضرورة شأن توسعة وعي الجميع بثقافة التعامل مع هذه الخصائص وفق المرحلة العمرية.
ولئن كان المعلمون يستطيعون التعامل معها وفق خطط وبرامج تعليمية ونشاط استقطابي لطاقاتهم وانتباهتهم في المدرسة فإن الوالدين في البيوت حري بهم أن يدركوا بعد المسؤولية الملزمين بها وتحديداً في هذا العصر الذي يستوعب كل نابهة في الإنسان.. وهذا لا يعني كبح تيار المشاعر في وجدانهم، أو سد أبواب التعبير أمامهم، أو لجم فوهة النبع الذي يتماوج في دخائلهم؛ بل إن العناية بوجدان المرء في صغره لهي المنفذ الأساس لنفسية سوية ولعواطف سليمة، ومن ثم لسلوك منضبط مع مواقف الغضب والفرح والغبطة والحماس والإعجاب والكراهية والإيثار والبذل، ويمتد إلى التكافل والتعاضد والتضحية والأريحية.
في هذه المرحلة من العمر أَحبّوا أبناءكم حبا إيجابيا.. لا يخرجون منها وهم مكبلون بالإحساس المظلم للحرمان أو التفرقة أو الاضطهاد والإذلال أو الاحتقار أو عدم المبالاة، بل مشبعون بالراحة والاطمئنان والفخر والثقة والاعتداد والحماس والبهجة والنشاط والتضحية والعطاء.
إن مفهوم الحب في هذه المرحلة مفهوم غامض يحتاج لمن يبسطه رأفة، ويوجهه وعيا، ويحتضنه مسؤولية.
يبدأ من تربة البيت وينمو لاسطوانات النور تهلل لرب السماء، ومن ثم ينزل ببرد وسكينة لينتشر في الأرض..
فتعمر الأرض بحب الأخوة والبنوة والزوجية والجيرة والصحب و..
هذا الذي يبقى.