يعتبر الأمن الغذائي أحد المرتكزات الرئيسية التي يقوم عليها الأمن الوطني بمفهومه الشامل والذي لا يمكن لأي دولة إغفاله أو التهاون فيه.
وبشكل مبسط يمكن تعريف الأمن الغذائي بأنه (قدرة مجتمع ما على توفير الاحتياجات الأساسية من الغذاء للمواطنين، وضمان حد أدنى من تلك الاحتياجات بانتظام، عبر إنتاج السلع الغذائية محلياً، وتوفير حصيلة كافية من عائدات الصادرات لاستخدامها في استيراد ما يلزم لسد النقص في الإنتاج الغذائي الذاتي، بدون أي تعقيدات أو ضغوطات من أي مصدر كان.
ومن المعلوم بأن مصادر الغذاء الأساسية هي: الزراعة والثروة الحيوانية والصناعات الغذائية القائمة على هذين المصدرين.
وقد أولت المملكة قضية الأمن الغذائي غاية الاهتمام من خلال تبني وتنفيذ خطط واستراتيجيات طموحة استهدفت تنمية القطاع الزراعي والثروة الحيوانية للمساهمة في رفع معدلات الإنتاج المحلي من الغذاء وصولاً لمرحلة الاكتفاء الذاتي ساعدها في ذلك العائدات المالية الكبيرة المتأتية من النفط، وبالرغم من هذه السياسات والخطط والأموال الضخمة التي تم استثمارها في هذا المجال، فإن ما يتم إنتاجه محلياً لا يمكن مقارنته بكميات الغذاء التي يتم استيرادها من الخارج لتلبية الطلب المحلي واحتياجات السكان في ظل النمو المتزايد الذي تشهده المملكة في عدد السكان نتيجة للتحسن الملحوظ في الظروف الاقتصادية والصحية والاجتماعية حيث بلغ معدل النمو السنوي السكاني في المملكة نحو (4.1%) خلال الفترة من (1975 - 2004م) مقارنة بـ(1.9%) للدول النامية و (0.8%) لدول منظمة التعاون الاقتصادي و (1.6%) لدول العالم مجتمعة.
ولعل مما يؤكد ذلك ما نشهده حالياً من الارتفاعات الكبيرة في أسعار المواد الغذائية وخاصة السلع الاستراتيجية منها كالقمح والأرض نتيجة لرفع أسعارها من قبل الدول المصدرة لها، إضافة إلى قيام بعض الدول كالهند وباكستان بانتهاج سياسات معينة منعت بموجبها تصدير أنواع الأرز للخارج وهي المطلوبة بشكل كبير في سوقنا المحلي، كما يجب أن نأخذ بعين الاعتبار ارتباط حجم المبالغ الضخمة المرصودة من قبل الدولة لعملية استيراد الأغذية بشكل رئيسي بالإيرادات المالية الهائلة التي تتمتع بها المملكة والتي يأتي أغلبها من صادرات النفط، فهل من ضمان لاستمرار هذه الإيرادات المالية؟ وإذا استمرت.. فهل ستكون دائماً بالمستوى نفسه؟
ولعل من التوصيات والاقتراحات التي قد تسهم في تحقيق الهدف المنشود ما يلي:
1 - استمرار المملكة في نهجها وسياساتها الداعمة والمشجعة لعمليات لإنتاج المحلي للغذاء من خلال زيادة الاستثمار في مجال التنمية الزراعية وتربية المواشي والصناعات الغذائية، وضرورة الاستفادة من أخطاء الماضي والعمل على تلافيها وعدم تكرارها، والتركيز على زراعة المحاصيل الزراعية الضرورية والملائمة لمناخ المملكة وطبيعتها الصحراوية، والاستغلال الأمثل للمناطق التي تصلح أكثر من غيرها للزراعة من حيث التربة والمناخ.
2 - العمل على تنويع المصادر الخارجية التي تعتمد عليها المملكة في استيراد حاجاتها الغذائية بحيث لا تقتصر في ذلك على دول معينة ومحدودة، وذلك حتى لا نقع تحت رحمة هذه الدول، وحتى لا نعطيها مجالاً للتحكم بمصائرنا وإملاء شروطها علينا مستغلة حاجتنا لما تورده لنا من سلع ومنتجات.
3 - ضرورة التوجه نحو توسيع عملية الاستثمار (الحكومي والخاص) الخارجي في مجالات الزراعة وتربية الثروة الحيوانية واستغلال المداخيل المالية الكبيرة المتوفرة للدولة في وقتنا الحاضر في ظل الارتفاعات الكبيرة التي تشهدها أسعار النفط، مع التركيز على تلك الدول التي تربطنا بها علاقات قوية وتتمتع ببيئة صالحة ومناسبة لهذا النوع من الاستثمار من حيث القرب الجغرافي والاستقرار السياسي وانخفاض التكاليف المادية وملائمة المناخ واتساع المساحات الصالحة للزراعة.
abo_3thman@windowslive.com