منير الحافي - بيروت
دخل لبنان منذ الأحد 25 أيار - مايو الحالي، مرحلة جديدة من الواقع السياسي، مع انتخاب الرئيس الثاني عشر للجمهورية اللبنانية منذ استقلالها في العام 1943م.
ويأتي انتخاب الرئيس الجديد ميشال سليمان، تنفيذاً للبند الأول في مبادرة الجامعة العربية، الذي طالب بإلحاح بضرورة انتخاب الرئيس التوافقي.
وقد حصل الأمر الذي كان مستحيلاً أو عسيراً، بعدما نجحت مفاوضات الدوحة بين الأكثرية والمعارضة اللبنانيتَين، على ما سمي (سلة متكاملة) شملت أيضاً موضوعي الحكومة والقانون الانتخابي، وهما بندا المبادرة العربية الآخرين.
انتخب رئيس البلاد إذاً، في جو عاصف مليء بالتعقيدات السياسية المحلية والإقليمية والدولية، المرتبطة مباشرة بالوضع اللبناني.
ويعرف الرئيس سليمان، أن أمامه عقداً كثيرة عليه حلها، كي يدخل بالفعل إلى نادي الكبار، الذين استطاعوا أن ينطلقوا من الإجماع الوطني عليهم (وكذلك الإجماع العربي وحتى الدولي) كي يعملوا على حل أزمات صعبة.
ما المطلوب من الرئيس العماد؟ لا شك أن المطلب الأساسي للبنانيين، هو الأمن.
ولقد توضح لكل من قامت وسائل الإعلام المحلية والعربية (ومنها جريدة الجزيرة) والدولية حينما عمدت إلى سؤال المواطنين: ماذا تطلب من الرئيس الجديد، أنهم يطلبون أولاً: الأمن.
وهذا الجواب متوقّع من شعب عانى الكثير خلال المرحلة القصيرة التي سبقت اتفاق الدوحة، حين قام مسلحو حزب الله وأمل والقومي السوري، بالسيطرة على بيروت الغربية، وحاولوا اقتحام الجبل الدرزي.
كما أن الوضع الأمني قضَّ مضاجع اللبنانيين الآمنين، منذ اغتيال رئيس الحكومة الأسبق الرئيس الشهيد رفيق الحريري في 14 شباط - فبراير 2005م. إلى الأمن، يشغل بال اللبنانيين موضوع الاقتصاد، الذي تأثر كثيراً بالأحداث الأخيرة وتراكم المشاكل السياسية والأمنية في البلاد. فكان هذا الاقتصاد ينخض حتى الاهتزاز المدمر، في كل مرة كانت تتعرض فيه البلاد لتفجير أمني أو أزمة سياسية عنيفة. رغم ذلك، كان اللبنانيون يحاولون (لملمة أشلائهم) إذا صح التعبير. ومعروف أن اللبناني قادر على التأقلم مع كل الأوضاع بسبب التجارب المرة التي مرَّ بها.
لكن اليوم، الحمل ثقيل على الرئيس الجديد وأول حكومة في عهده، إذ إن الدين العام ارتفع إلى مصاف الأربعين مليار دولار، بسبب المشاكل المتراكمة، وكان الانشغال بالشؤون الأمنية والسياسية الطارئة يطغى على الحديث في الشأن الاقتصادي.
وارتباطاً بالاقتصاد، يأمل المواطنون من الرئيس سليمان، تحسين وضع معيشتهم وحل بعض المسائل الاجتماعية الخانقة مثل تحسين الأجور، بعدما بات الدخل لا يلبي غلاء الأسعار التي ما زالت ترتفع باطراد.
في السياسة، حدث ولا حرج عن مطالب الفرقاء المختلفين. فالناس ترى في الرئيس الجديد (عماداً) يبنى عليه في جمع الفرقاء المتخاصمين من الأكثرية النيابية والمعارضة. وإذا كان الفريقان قد أجمعا على شخصه ليكون رئيساً لهم، فإن المطلوب منه اليوم أن يكون على مسافة واحدة من الجميع، مثلما سعى إلى ذلك خلال قيادته للجيش اللبناني. وبالتفصيل، يختلف بعض مطالب الأكثرية عن مطالب المعارضة. فمن مطالب الأكثرية الملحة، أن لا يتم استخدام السلاح (الخفيف منه والمدجج) في الداخل اللبناني، وأن يتم الاتفاق أو التوافق مع حزب الله وحلفائه، على أن هذا السلاح هو ضد العدو الإسرائيلي فحسب. كما تطالب الأكثرية، بعودة الأمور على الأرض إلى ما كانت عليه قبل انقلاب حزب الله وحلفائه، من حيث عودة الوضع في بيروت وغيرها إلى سلميته، عبر سيطرة الجيش الفعلية، وسحب كل مظاهر الاستفزازات للأهالي، مثل رفع أعلام حزب الله وأمل بقوة السلاح على كل عامود كهرباء في العاصمة، وتحرشات مناصريهما، الذين يركبون الدراجات النارية ويجولون مناطق بيروت، ويعمدون إلى استفزاز الأهالي.
في المقابل، يأمل حزب الله من الرئيس الجديد أن يحفظ له ما يعتبره (سلاح المقاومة) الذي (لم تستطع إسرائيل أن تقضي عليه).
ويعتبر حزب الله ومناصروه أن السلاح لم يستعمل في الداخل، وأن ما جرى في بيروت كان (رد فعل على قرارات حكومة السنيورة التي كانت ستكشف المقاومة).
وفي السياسة أيضاً، تعتبر قوى 14 آذار من الضروري إقامة علاقات ديبلوماسية بين لبنان وسوريا، تحصن العلاقات بين البلدين. كما أن (قلبها) على المحكمة الدولية لمحاكمة المتهمين باغتيال الرئيس الحريري وغيره من شهداء الوطن. من أجل ذلك، سارع الرئيس سليمان إلى تضمين خطاب القسم في البرلمان، بعضاً من هواجس الجميع. وهو أكّد على نقاط عديدة، أهمها:
- لبنان اختار (السير في ما اتفق عليه في الطائف، وهو مدعو إلى حماية هذا الخيار، والعمل على ترسيخه).
- التحذير من لغة التخوين في الخطاب السياسي، والاتهامات المتبادلة. مؤكّداً أن (سمة الديمقراطية الأساسية، تداول السلطة، عبر انتخابات حرة).
- الاعتراف بحقوق المغتربين اللبنانيين في الجنسية اللبنانية معتبراً أنهم (جناح لبنان الثاني).
- الخروج من حالة الركود الاقتصادي وتفعيل الدورة الاقتصادية، بحاجة إلى استقرار أمني وسياسي وإلى رعاية الدولة، تشجيعاً ودفعاً لعملية الإنتاج التنافسي.
- مساهمة لبنان في قيام المحكمة الدولية الخاصة، بجريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه، وما تلا ذلك من اغتيالات، مؤكداً أن ذلك (تبيان للحق، وإحقاق للعدالة).
- إن (بقاء مزارع شبعا تحت الاحتلال، ومواصلة العدو لتهديداته وخروقاته للسيادة، يحتم علينا إستراتيجية دفاعية تحمي الوطن، متلازمة مع حوار هادئ، للاستفادة من طاقات المقاومة، خدمة لهذه الإستراتيجية. فلا تستهلك إنجازاتها في صراعات داخلية، ونحفظ بالتالي قيمها وموقعها الوطني).
- الأخوّة في العلاقات بين لبنان وسوريا، (ضمن الاحترام المتبادل لسيادة وحدود كل بلد، وعلاقات دبلوماسية تعود بالخير لكل منهما).
- إن (الدولة لا يمكنها التغاضي عن أي عبث بالأمن والسلم، ولن تسمح بأي حال من الأحوال، أن يستعمل البعض وقوداً للإرهاب، وأن يتخذ من قدسية القضية الفلسطينية ذريعة للتسلح، لتصبح هذه المسألة مصدراً للإخلال بالأمن، كما حصل منذ عام، عندما اعتدي على الجيش اللبناني).