ينتخب رئيس الدولة من أوساط الشعب، يأتي من المؤسسة العسكرية، أو من المؤسسة السياسية مرشحاً من أحد الأحزاب يدخل قصر الرئاسة، بسيطاً مواطناً يشعر بهموم شعبه، يشمر عن ساعديه للعمل، ومع مرور الأيام والأشهر، يحاط الرئيس الجديد بسور من الحواجز، وهالة من التفخيم و(التأليه) جراء الجرعات الزائدة من الإعلام العاطفي وغير المنطقي الذي يستفز المتلقي، وحالة المزايدة الإعلامية التي ترافق وصول الزعماء، سواء بالانتخابات أو بالانقلابات، أعتقد أنها حالة محصورة بالإعلام العربي.. فإعلامنا متفوق جداً في صنع الهالة الإعلامية للزعماء، يلمع أعمالهم مهما كانت بسيطة ويغطي على أخطائهم.
أمس وقبله تابعنا مراسم انتخاب الرئيس اللبناني الجديد العماد ميشيل سليمان، وقد وضح أن الرئيس الجديد رغم علو رتبته العسكرية، كان رجلاً بسيطاً، مقبولاً في تعامله، والابتسامة التي يرسمها على محياه دون تكلف، رغم أنه كان حازماً وحاسماً وقاطعاً في فقرات خطابه التي تشير جميعها أن الرجل يريد أن يُترك ليعمل.. ليعالج أخطاء السياسيين.. ليصلح الاقتصاد.. ويرمم السلم الاجتماعي.
بدأ يومه الأول في قصر بعبدا بترجمة فلسفته لإنقاذ لبنان.. ألغى حفلات الاستقبال الشعبية، تقلد الوسامين اللذين يمنحان للرئيس الجديد، وعمل على تقلدهما بنفسه دون أن يسمح لأحد أن يقلده ذلك في إشارة إلى أنه سيعتمد على نفسه.
الرجل يريد أن يعمل.. هكذا يريد، إلا أن الإعلام يريد غير ذلك، يريد أن يفعل مثلما فعل الإعلام المصري الذي جعل من عبدالناصر المنقذ الأوحد.
ومثلما فعل الإعلام العراقي والمرتبط به عندما جعل من المهيب صدام حسين سيف العرب الذي لا يقهر.
هكذا يريد الإعلام اللبناني والزملاء اللبنانيون الذين يعملون في المحطات الفضائية العربية أن يفعلوا.
يوم الانتخاب كان مقبولاً تلك التغطية الإعلامية لأنه حدث تاريخي، أما أن تتابع حفلة التتويج وجعل الرئيس غير الآخرين، فهذا هو غير المحبب.
أمس بعد يوم من الانتخاب تحولت المحطات الفضائية التي يسيطر عليها الزملاء اللبنانيون (مذيعون، معدو برامج) إلى بث مباشر تابعوا الرئيس الجديد عند خروجه من منزله، ثم توجهه إلى قصر بعبدا.. وأظهروه وهو جالس على كرسي الرئاسة.. فقط جالس، ثم نافورة قصر بعبدا التي تمتع بها ناقل البث المباشر، ثم الحرس الجمهوري وحرس الشرف وهما ينصرفان من باحة القصر.. تفاصيل ممللة ومزعجة ما كان لها أن تجد فسحة أو وقتاً في المحطات الغربية.
هل هذه صورة لهيمنة الإعلام اللبناني.. أم صورة مكررة لما كان يفعله الإعلام المصري الذي أسقط عبدالناصر قبل سقوط النكسة..؟!!
لا أتمنى هذا للرئيس اللبناني الجديد الذي نتمنى أن يحميه الله من إغواء الإعلام اللبناني، حتى يحقق خطته في العمل لإنقاذ لبنان.