لا يخفى على المتابع لسير الأحداث بخاصة السياسية منها ما للأزمات بكل أنواعها من دور في تاريخ الشعوب والمجتمعات سواء على صعيد الهدم أو البناء، وقراءة متأنية لدور الأزمة بشكل عام يفضي بنا إلى تلمس خيط يقودنا إلى حقيقة مفادها أن المجتمعات التي اعتمد الهرم القيادي فيها على فرق خاصة وكفؤة في التعامل مع الأزمات كانت أصلب عودا وأكثر على المطاوعة والاستمرار من قريناتها التي انتهجت أسلوبا مغايرا تمثل بالتصدي المرتجل والتعامل بطرق غير مدروسة سلفا
مع بؤر الصراع والتوتر ما أدى بالتالي إلى ضعفها وتفككها فالأزمات ظاهرة ترافق سائر الأمم والشعوب في جميع مراحل النشوء والارتقاء والانحدار.
ولو أمعنا النظر في ثنايا الأحداث التاريخية الكبرى لوجدنا أن الأزمة على مر العصور تتوسط المراحل المهمة في حياة الشعوب، فبين كل مرحلة ومرحلة جديدة ثمة أزمة تحرك الاذهان، وتشعل الصراع وتحفز الابداع وتطرق فضاءات بكر تمهد السبيل إلى مرحلة جديدة، غالبا ما تستبطن بوادر أزمة أخرى وتغييرا مقبلا آخر، وكان لنمو واتساع المجتمعات ونضوب الموارد المتنوعة وشدة المنافسة السياسية والاقتصادية الكلمة الفصل في طول حياة الأزمات إلى حد أصبح تاريخ القرن السابق على سبيل المثال يشكل سلسلة من أزمات تتخللها مراحل قصيرة من الحلول المؤقتة، ومن هنا فقد نشأت أفكار جدية من أجل دراسة وتحليل الأزمة ومحاولة الخروج منها بأقل الخسائر وتأخير الأزمة اللاحقة إن تعذر تعطيلها.
ويرى شير مهورنschermehorn أن الأزمة الادارية إنما هي مشكلة غير متوقعة قد تؤدي إلى كارثة إن لم يجر حلها بصورة سريعة.
وعرفها (اللوزي) بأنها كل موقف أو حدث يؤدي إلى إحداث تغيرات إيجابية وجادة في النتائج وهي حدث أو تراكم لمجموعة من، احداث غير متوقع حدوثها تؤثر في نظام المؤسسة أو جزء منه وهي من الناحية العملية انقطاع عن العمل كليا أو جزئيا لمدة تطول أو تقصر لسبب معين يتبعها تأثر الكيان وتحوله.
الأسباب المؤدية إلى نشوء الأزمات
أولا: الأسباب الإنسانية وتشمل:
1- سوء التقدير والاحترام.
2- حب السيطرة والمركزية الشديدة.
3- تعارض الأهداف والمصالح.
ثانيا: الأسباب الادارية وتشمل:
1- سياسات مالية مثل ارتفاع التكاليف وضعف قدرة الرقابة.
2- عدم التخطيط الفعال.
3-اتخاذ القرارات بشكل عشوائي.
4- عدم وجود أنظمة حوافز ناجحة.
5- عدم توفر الوصف الوظيفي الجيد للمهام والواجبات.
وعلى أية حال فإن الأزمة هي حالة انتقال من مرحلة إلى أخرى يصاحبها نقص شديد في المعلومات وحالة من عدم التأكد، وهي مفتاح التطور والتغيير نحو الافضل أو التقهقر والهلاك.
وعليه فلابد من تنصيب برنامج أو أكثر يتم تشغيله في ظروف الطوارئ، إذا ما أراد القائمون على الواقع السياسي والاداري تفادي مصير التقهقر والهلاك على أقل تقدير، وبرنامج من هذا القبيل هو عبارة عن منهج يمثل تقنية تستخدم لمواجهة الحالات الطارئة التي لا يمكن تجنبها وإجراء التحضيرات اللازمة لها قبل وقوعها، وهو بمعنى أكثر دقة أشبه بمحاولة تجميع المعلومات اللازمة عن مسببات الأزمة ومن ثم تحليلها واتخاذ القرار المناسب بشكل سريع وفاعل.
خصائص الأزمات الإدارية ومواصفاتها
1- المفاجئة العنيفة والشديدة لدرجة أنها تكون قادرة على شد الانتباه لجميع الافراد والمنظمات.
2- التشابك والتداخل في عناصرها وعواملها وأسبابها.
3- عدم التأكد وعدم توفر المعلومات مما يسبب الاخطاء في اتخاذ القرارات وبالتالي تفاقم وتدهور الاوضاع.
4- غالبا ما يصاحبها امراض سلوكية غير مستحبة كالقلق والتوتر وحالات عدم الانتباه واللامبالاة.
5- وجود مجموعات من الضغوط المادية والنفسية والاجتماعية تشكل في مجموعها ضغطا ازمويا على الجهاز الاداري.
6- ظهور القوى المعارضة والمؤيدة (أصحاب المصالح) ما يفاقم، من شدة الأزمة.
مراحل الأزمة وإدارتها
تقسم مراحل الأزمة ومن ثم إدارتها إلى:
1- مرحلة الصدمة:
وهو ذلك الموقف الذي يتكون نتيجة الغموض ويؤدي إلى الارباك والشعور بالحيرة وعدم التصديق لما يجري وهي مرحلة تتناسب عكسيا مع مدى معرفة وإدراك الإنسان.
2- مرحلة التراجع:
تحدث هذه المرحلة بعد حدوث الصدمة، وتبدأ بوادر الاضطراب والحيرة بالظهور بشكل متزايد ويصاحب ذلك اعراض منها زيادة حجم الأعمال التي لا جدوى منها (الأعمال الفوضوية).
3- مرحلة الاعتراف:
وهنا تتجلى عقلانية التفكير - فيما بعد امتصاص- الصدمة حيث تبدأ عملية ادراك واسعة ومراجعة للازمة بغية تفكيكها.
4- مرحلة التأقلم:
حيث يتم استخدام استراتيجيات معينة بالإضافة إلى استخدام الموارد البشرية والمادية في المنظمة للتعامل والتخفيف من آثار اللازمة. وما لم يتم التعامل بذكاء وحذر في هذه المرحلة فإن الأمور سوف تتجه بخط بياني نحو الكارثة، وقد أطلقت على هذه المرحلة تسميات أخرى من أبرزها، مرحلة الانذار المبكر أو مرحلة اكتشاف اشارات الخطر، وهي بهذا المعنى اولى خطوات إدارة الأزمة تليها مجموعة اساليب وقائية وسيناريوهات معينة تتابع أحداث الأزمة وتحدد لكل فرد في فريق الأزمة، دوره بمنتهى الوضوح. وتهيئ وسائل عمل تحد من الإضرار وتمنعها من الانتشار.
وإلى هنا نكون قد وصلنا إلى المرحلة التالية من مراحل إدارة الأزمة ألا وهي مرحلة استعادة النشاط وتشتمل على إعداد وتنفيذ برامج قصيرة وطويلة الاجل سبق وأن تم اختبارها بنجاح على أزمات مشابهة وعادة ما تكتنف هذه المرحلة روح الحماس تقود إلى تماسك الجماعة وتكاتفها في مواجهة الخطر.
أساليب حل الأزمات والتعامل معها
هناك نوعان من أساليب حل الأزمات الأول معروف متداول، ويصطلح عليه بالطرق التقليدية، والثاني عبارة عن طرق لاتزال في معظمها، قيد التجريب ويصطلح عليها بالطرق غير التقليدية:
أولاًَ: الطرق التقليدية:
وأهم هذه الطرق:
1- إنكار الأزمة:
حيث تتم ممارسة تعتيم إعلامي على الأزمة وإنكار حدوثها، وإظهار صلابة الموقف وأن الاحوال على أحسن ما يرام وذلك لتدمير الأزمة والسيطرة عليها، وتستخدم هذه الطريقة غالبا في ظل الأنظمة الدكتاتورية التي ترفض الاعتراف بوجود اي خلل في كيانها الإداري.
وأفضل مثال لها إنكار التعرض للوباء أوأي مرض صحي وما إلى ذلك.
2- كبت الأزمة:
وتعني تأجيل ظهور الأزمة، وهونوع من التعامل المباشر مع الأزمة بقصد تدميرها.
3- إخماد الأزمة:
وهي طريقة بالغة العنف تقوم على الصدام العلني العنيف مع قوى التيار الازموي بغض النظر عن المشاعر والقيم الإنسانية.
4- بخس الأزمة:
اي التقليل من شأن الأزمة (من تأثيرها ونتائجها)، وهنا يتم الاعتراف بوجود الأزمة ولكن باعتبارها أزمة غير هامة.
5- تنفيس الأزمة:
وتسمى طريقة تنفيس البركان حيث يلجأ المدير إلى تنفيس الضغوط داخل البركان للتخفيف من حالة الغليان والغضب والحيلولة دون الانفجار.
6- تفريغ الأزمة:
وحسب هذه الطريقة يتم إيجاد مسارات بديلة ومتعددة أمام قوة الدفع الرئيسية والفرعية المولدة لتيار الأزمة ليتحول إلى مسارات عديدة وبديلة تستوعب جهده وتقلل من خطورته.
ويكون التفريغ على ثلاث مراحل:
أ. مرحلة الصدام: أو مرحلة المواجهة العنيفة مع القوى الدافعة اللازمة لمعرفة مدى قوة الأزمة ومدى تماسك القوى التي أنشأتها.
ب. مرحلة وضع البدائل: وهنا يقوم المدير بوضع مجموعة من الأهداف البديلة لكل اتجاه أو فرقة انبثقت عن الصدام، وهذه العملية تشبه إلى حد ما لعبة البليارد.
ج. مرحلة التفاوض مع أصحاب كل فرع أو بديل:
أي مرحلة استقطاب وامتصاص وتكييف أصحاب كل بديل عن طريق التفاوض مع أصحاب كل فرع من خلال رؤية علمية شاملة مبنية على عدة تساؤلات مثل ماذا تريد من أصحاب الفرع الآخر، وما الذي يمكن تقديمه للحصول على ما تريد وما هي الضغوط التي يجب ممارستها لإجبارهم على قبول التفاوض؟،،
8- عزل قوى الأزمة:
يقوم مدير الأزمات برصد وتحديد القوى الصانعة للازمة وعزلها عن مسار الأزمة وعن مؤيديها وذلك من أجل منع انتشارها وتوسعها وبالتالي سهولة التعامل معها ومن ثم حلها أو القضاء عليها.
ثانيا: الطرق غير التقليدية:
وهي طرق مناسبة لروح العصر ومتوافقة مع متغيراته وأهم هذه الطرق ما يلي:
1- طريقة فرق العمل:
وهي من أكثر الطرق استخداما في الوقت الحالي حيث يتطلب الأمر وجود أكثر من خبير ومتخصص في مجالات مختلفة حتى يتم حساب كل عامل من العوامل وتحديد التصرف المطلوب مع كل عامل.
وهذه الطرق إما أن تكون مؤقتة أو تكون طرق عمل دائمة من الكوادر المتخصصة التي يتم تشكيلها، وتهيئتها لمواجهة الأزمات وأوقات الطوارئ.
2- طريقة الاحتياطي التعبوي للتعامل مع الأزمات:
حيث يتم تحديد مواطن الضعف ومصادر الأزمات فيتم تكوين احتياطي تعبوي وقائي يمكن استخدامه إذا حصلت الأزمة. وتستخدم هذه الطريقة غالبا في المنظمات الصناعية عند حدوث أزمة في المواد الخام أو نقص في السيولة.
3- طريقة المشاركة الديمقراطية للتعامل مع الأزمات:
وهي أكثر الطرق تأثيرا وتستخدم عندما تتعلق الأزمة بالأفراد أو يكون محورها عنصرا بشريا، وتعني هذه الطريقة الإفصاح عن الأزمة وعن خطورتها وكيفية التعامل معها بين الرئيس والمرؤوسين بشكل شفاف وديمقراطي.
4- طريقة الاحتواء: أي محاصرة الأزمة في نطاق ضيق ومحدود ومن الأمثلة على ذلك الأزمات العمالية حيث يتم استخدام طريقة الحوار والتفاهم مع قيادات تلك الأزمات،.
5- طريقة تصعيد الأزمة:
وتستخدم عندما تكون الأزمة غير واضحة المعالم وعندما يكون هناك تكتل عند مرحلة تكوين الأزمة فيعمد المتعامل مع الموقف، إلى تصعيد الأزمة لفك هذا التكتل وتقليل ضغط الأزمة.
6- طريقة تفريغ الأزمة من مضمونها:
وهي من أنجح الطرق المستخدمة حيث يكون لكل أزمة مضمون معين قد يكون سياسيا او اجتماعيا أو دينيا أو اقتصاديا أو ثقافيا أو اداريا وغيرها،ومهمة المدير هي إفقاد الأزمة لهويتها ومضمونها وبالتالي فقدان قوة الضغط لدى القوى الازموية ومن طرقها الشائعة هي:
أ- التحالفات المؤقتة
ب- الاعتراف الجزئي بالازمة ثم انكارها.
ج- تزعم الضغط الازموي ثم توجيهه بعيدا عن الهدف الاصلي.
7-طريقة تفتيت الأزمات:
وهي الأفضل إذا كانت الأزمات شديدة وخطرة وتعتمد هذه الطريقة على دراسة جميع جوانب الأزمة لمعرفة القوى المشكلة لتحالفات الأزمة وتحديد إطار المصالح المتضاربة والمنافع المحتملة لأعضاء هذه التحالفات ومن ثم ضربها من خلال إيجاد زعامات مفتعلة وإيجاد مكاسب لهذه الاتجاهات متعارضة مع استمرار التحالفات الازموية، وهكذا تتحول الأزمة الكبرى إلى ازمات صغيرة مفتتة.
8- طريقة تدمير الأزمة ذاتيا وتفجيرها من الداخل:
وهي من أصعب الطرق غير التقليدية للتعامل مع الأزمات ويطلق عليها طريقة (المواجهة العنيفة) أو الصدام المباشر وغالبا ما تستخدم في حالة عدم توفر المعلومات وهذا مكمن خطورتها وتستخدم في حالة التيقن من عدم وجود البديل ويتم التعامل مع هذه الأزمة على النحو التالي:
أ- ضرب الأزمة بشدة من جوانبها الضعيفة.
ب- استقطاب بعض عناصر التحريك والدفع للأزمة
ج- تصفية العناصر القائدة للأزمة
د- إيجاد قادة جدد أكثر تفهما
9- طريقة الوفرة الوهمية:
وهي تستخدم الأسلوب النفسي للتغطية على الأزمة كما في حالات فقدان المواد التموينية حيث يراعي متخذ القرار توفر هذه المواد للسيطرة على الأزمة ولو مؤقتا.
10- احتواء وتحويل مسار الأزمة:
وتستخدم مع الأزمات بالغة العنف التي لا يمكن وقف تصاعدها وهنا يتم تحويل الأزمة إلى مسارات بديلة ويتم احتواء الأزمة عن طريق استيعاب نتائجها والرضوخ لها والاعتراف بأسبابها ثم التغلب عليها ومعالجة إفرازاتها ونتائجها، بالشكل الذي يؤدي إلى التقليل من أخطارها.
أما إذا كانت الأزمة ناتجة عن مسبب خارجي فيمكن عندئذ استخدام الاساليب التالية:
أ- أسلوب الخيارات الضاغطة. مثل التشدد وعدم الاذعان والتهديد المباشر.
ب- الخيارات التوفيقية: حيث يقوم أحد الاطراف بإبداء الرغبة في تخفيف الأزمة ومحاولة إيجاد تسوية عادلة للاطراف.
ج- الخيارات التنسيقية: أي استخدام كلا الاسلوبين الأخيرين، اي التفاوض مع استخدام القوة.
ختاما فإن ما قدمناه يمكن أن يصلح دليلا يسلط الضوء إلى حد ما على مفاصل الأزمة بخاصة الادارية أو السياسية منها، الأمر الذي يؤدي إذا ما تم التعاطي مع ابرز مفرداته ايجابيا من قبل صناع القرار إلى وضع تصور اولي لحل الأزمات التي تواجه الطاقم السياسي بين الحين والحين الآخر، ولاسيما وان سلسلة الأزمات في البلاد يبدو انها مرشحة للاتساع من حيث المدى والنوع مع الاخذ بنظر الاعتبار ملفات لم تزل تنتظر الحسم السياسي وأخرى في طور التشكل أو الاستفحال.
المصادر
1- الذهبي، محمد جاسم، التطوير الاداري، 2001، بغداد
2-اللوزي، موسى، التطوير النظامي،1999، دار وائل للنشر، عمان
3-الدهان، اميمة، نظريات منظمات الأعمال، 1992، القاهرة
4- الاعرجي، عاصم، دراسات معاصرة التطوير الاداري، 1995، دار الفكر للطباعة والنشر، الاردن
مركز المستقبل للدراسات والبحوث
http://mcsr.net