من المسلم به أن الإنسان هو الكائن الحي الوحيد على سطح الكرة الأرضية، والذي يبز الكائنات الحية الأخرى بما منحه الله سبحانه وتعالى بعقل خلاق مبدع استخدمه ويستخدمه في تصريف أموره المتنوعة والإنسان بصفاته العقلية هو الذي بنى وشيد الحضارات الإنسانية المختلفة، وأبدع في الثقافات البشرية المتعددة، وهو المخلوق الذي أنزل إليه خالقه كتبه السماوية مع رسله المطهرين. ومع هذا كله فالإنسان في سلوكياته وتصرفاته غامض ومبهم بالنسبة لأخيه الإنسان الآخر.
ونحن هنا سنذكر رأي أحد فلاسفة الغرب ومنظريها في ماهية الإنسان في عصره. وهو السياسي والمؤرخ الإيطالي الذي ولد في سنة 1469م وتوفى في سنة 1527م كان مكيافلي (كما ورد في الموسوعة الفلسفية لعبد الرحمن بدوي) يعتقد أن الطبيعة الإنسانية لا تتغير على مدى الأزمان وفي مختلف الأماكن.. وصفات الإنسان في نظر مكيافلي هو:
أولاً: أنه مخلوق ذو شهوات لا تشبع، ومطامح لا تقف عند حد، وأن أولى شهواته هذه الرغبة في المحافظة على نفسه.
ثانياً: قصير النظر، يحكم غالباً وفقاً للمكافأة العاجلة أولى من أن يحكم بسبب النتائج البعيدة لأفعاله.
ثالثاً: الإنسان مولع بالتقليد والمحاكاة، ميال إلى الاقتداء بالأشخاص من ذوي السلطان.
رابعاً: الإنسان صلب الطبع حتى إن أنماط السلوك التي استقرت عن طريق التقليد والمحاكاة لا يمكن تغييرها إلا في نطاق ضيق.
ورغبة الإنسان في المحافظة على نفسه، وقصر نظره يجعلانه سهل الانقياد للقادة المدنيين، وولعه بالمحاكاة يهيئه لقبول تكييف الزعماء والأنظمة. ثم إن الناس حين تتهددهم البيئة الطبيعية أو العدوان، فإن رغبتهم في المحافظة على أنفسهم تدفعهم إلى التعاون فيما بينهم، بل وإلى سلوك مسلك الفضيلة: فيتحلون بالشجاعة وروح البذل والتضحية بالنفس والمال. وحتى بعد زوال التهديد الخارجي المباشر، فإن من الممكن تحليهم ببعض الفضائل الاجتماعية بفضل القيادة (الحكيمة) والتنظيم الاجتماعي المحكم. وهكذا فإنه إذا كان الإنسان بطبعه الأصيل شريراً، فإنه بحكم وضعه الاجتماعي قابل ومضطر لأن يكون على قدر من الفضيلة والخير. فطبيعة الإنسان الشريرة بحكم الفطرة يمكن إذاً تكييفها وقولبتها بالقيادة والتنظيم، وإن كان ذلك محدود بحكم أصالة الشر في طبيعة الإنسان. وهكذا فإن الإنسان قابل للتربية الاجتماعية، وللتكيف الاجتماعي. والمجتمع المدني هو المدرسة الاجتماعية الكبرى للإنسانية. والسلوك الإنساني يمكن أن يتأثر تأثراً قوياً بتركيب البيئة الاجتماعية، وبالأغراض التي توجه لها الجماعة. إن الإنسان في المجتمع لم يعد إنساناً طبيعياً على نحو مطلق، ولا إنساناً صناعياً بمعنى مطلق، بل هو بين بين. هذا رأي مكيافلي في الإنسان.