ولد هيجل عام 1770م في بلدة شتوتجارت في ألمانيا، درس في صباه في المدرسة اللاتينية، وكان ميالاً إلى القراءات الإغريقية واليونانية، إضافة إلى دراساته الدينية، تنقل بين عدد من المدن في ألمانيا مدرساً، فأستاذاً جامعياً لعلم الفلسفة، ثم مديراً لجامعة برلين حتى وفاته في برلين عام 1831م (هيجل: العقل في التاريخ، ترجمة وتقديم وتعليق: د. إمام عبدالفتاح إمام، دار التنوير، بيروت، ط3، ص10-18).
يرى هيجل: (أن مسار التاريخ عبارة عن خط مستقيم يبدأ بالبداوة والتوحش وينتهي بتحرر البشر وعيشهم بسلام في ظل القانون).
وقبل التعليق على هذه العبارة، يستحسن أن نقف بعض الوقفات القصيرة لمعرفة الخلفية التي ينطلق منها هيجل، والاطلاع على أهم أقواله التي تقوم عليها فلسفته في التاريخ:
يُصَنف هيجل ضمن فئة المثاليين القائلين: أن الفكرة أساس التاريخ.. أي أن حوادث التاريخ تنشأ من فكرة (Idia) يطرحها صاحبها ثم يسعى لتنفيذها، سواء كانت أفكاراً دينية أو سياسية أو غير ذلك.
ويقوم هذا النهج عند هيجل على أن العقل أو الفكر الإنساني يسعى دائماً نحو التقدم، ليصل إلى العقل (الوضع) المطلق الذي يعده مثالاً يحتذى به، ولهذا اعتبر هيجل مثالياً (Idial).
وبمعنى آخر؛ فإن المثالية Idialism التي يقوم عليها مبدأ فلسفة هيجل للتاريخ تتمثل في سعي الجماعات البشرية إلى حالة التحضر (الدولة)، والتاريخ وفق هذه النظرية: هو عبارة عن عملية طويلة مقدرة. وبعبارة أخرى فإن هيجل ينظر إلى التاريخ على أنه يسير بخط مستقيم يبدأ من مرحلة البداوة وينتهي بالتحضر، أو يبدأ من الفوضى والتوحش وينتهي بالتنظيم والقانون الذي يجعل الناس يعيشون بسلام.
فالعقل - عند هيجل - هو جوهر الكون، العقل هو الذي يوجه العالم، وأن العالم تحكمه عناية إلهية، ولا تقع الحوادث بالمصادفة فقط.
إن هيجل يتبنى المثالية الزائدة على حساب الطبيعة البشرية التي خلق الله الناس عليها، فالبشر وإن كانوا يسيرون في حياتهم من البدائية إلى التحضر والتطور إلاَّ أن طبيعة النفس البشرية المتمثلة في تنازع الخير والشر وصراع الحق والباطل تظل ملازمة لهم مهما تقدمت بهم الحضارة المادية ومهما تطورت الأنظمة والقوانين، فالعيش بسلام وتحقيق العدل المطلق ليس متحققاً إلاَّ في مجتمع ملائكي، أو في حقبة استثنائية يبعث الله فيها نبياً أو صالحاً يقيم العدل والإصلاح إذا شاء الله ذلك، وليس دائماً، فقد رأينا أنبياء تمردت عليهم أممهم، وانتهى الأمر بقتلهم أو إخراجهم، وإهلاك أقوامهم..
وإذا كنت أنقد هيجل بأنه تأثر بواقعه، فقد يكون رأيي متأثراً بواقعي، فها نحن في مطلع القرن الواحد والعشرين قد وصلنا إلى أوج التقدم العلمي والإنساني؟ إلاَّ أننا لا نرى العالم يعيش بسلام، ولم نر السلام الذي يقرره هيجل.