يأخذ كل من الشكل والمضمون الصدارة في تقييمنا للأشياء كمعيار أساس تُبنى عليه كثير من القرارات في حياتنا على كافة المستويات، فعندما نريد أن نحكم على ندوة علمية، أو محاضرة، أو مقالة، أو لقاء، بل حتى على مستوى المؤتمرات الأكاديمية نجعل المعيار الأساس لهذا الحكم ما تضمنه هذا الحدث من فعاليات وخطط وبرامج ومقترحات ونظريات مفيدة يمكن أن يكون لها الأثر البالغ في حياتنا العلمية أو الاجتماعية أو الاقتصادية.
ولكن ومع الأسف الشديد نجد في مجتمعنا في الآونة الأخيرة من غلب جانب الشكل على المضمون فهو ينظر بعين واحدة لصاحب المقالة أو ملقي المحاضرة. أو المشاركين في الندوة والملتقى أو كاتب الحوار ولا يكلف نفسه بالنظر في مضمون ذلك الحدث وما له من إيجابيات أو سلبيات يمكن مناقشتها ومعرفة مدى الافادة منها، وفي المقابل نسمع ونقرأ ونشاهد موضوعات مهمة جداً جديرة بالاهتمام لما لها من المكانة العلمية والعرض الجيد إلا أنها لا تحظى بالاهتمام الإعلامي لكون صاحبها ليس من الوجوه اللامعة في المجتمع. فكم من فائدة علمية نادرة مرت مروراً سريعاً ثم اختفت كأن لم تكن حيث لم تجد من يأخذ بيدها وينشرها على الملأ ويشير بها لا لشيء إلا لكونها صدرت من شخص عادي ليس له صفة الظهور والشهرة. وكم من مقالة أو محاضرة لا جديد فيها لاقت كماً هائلاً من البروز الإعلامي المنقطع النظير مع التكرار في أكثر من وسيلة إعلامية لا لمضمونها، وإنما لأن كاتبها أو ملقيها فلان من الناس الذين عرفوا بشهرتهم في الوسط الاجتماعي.
أعود فأقول: من الواجب على وسائل الإعلام كافة أن تنظر في المضمون وما يشتمل عليه وهل يستحق الإشادة واعلانه للملأ أم لا بغض النظر عن كاتبه أو ملقيه لأن هذا هو الهدف والغاية فنحن بحاجة إلى علم وفكر مستنير ومعالجة لقضايانا بحكمة وروية. وبمعنى آخر نحن بحاجة إلى إعلام يبرز أهم الموضوعات لا أهم الشخصيات التي تكاد تحترق لكثرة ظهورها مع أنه يوجد خلف الكواليس من يعمل بجد ونشاط من شخصيات علمية لها مكانتها لقوة عبارتها وجودة أسلوبها هي أحق بالاهتمام الإعلامي لا لذاتها وإنما لمادتها العلمية. حتى أن بعض المجلات العلمية أخذت تنحت اسم تلك الشخصيات اللامعة على غلاف المجلة لدفع عجلة التسويق، فهل يا ترى هذا العمل اهتمام بالشكل أم بالمضمون؟ وتكتب عبارات لهم على غلاف المجلة مع أنه يوجد داخل المجلة عبارات أقوى منها وأعظم فائدة لكن قائلها شخص عادي لم يكتسب صفة الشهرة.
***
ونتيجة لهذا الأسلوب الإعلامي الخاطئ أصبح القارئ ينظر إلى اسم صاحب المقالة أو المحاضرة قبل أن ينظر إلى موضوعها وأهميتها، وأذكر موقفاً طريفاً بهذه المناسبة:
أن أحداً من الناس كتب مقالة علمية جيدة نافعة وعرف أنه لو نشرها باسمه لن تقرأ فطلب من أحد الشخصيات العلمية البارزة أن ينشرها باسمه حتى ينفع الله بها فوافق على ذلك مادام أن ذلك تم برضا الكاتب، وفعلاً تم له ما أراد.
فواجب على وسائل الإعلام أن تشيد بالموضوعات بالخط العريض وتعلق عليها وتبين أهميتها وتحرص على نشر الموضوعات المهمة الجيدة وتغفل النظر عما سواها أياً كان كاتبها، فلا يكون اسم الكاتب دافعاً للنشر، وهذا يتطلب النظر في المضمون أولاً.. وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.