(يروى أن شخصاً أراد أن يحصل على حكمة جليلة تفيده في حياته، فذكر له حكيم هندي، فسافر الرجل من بلد إلى بلد.. ومن قرية إلى قرية يسأل عنه، إلى أن وصل إلى بيت الحكيم الهندي. طرق الرجل الباب، فاستقبلته امرأة عجوز وقالت: تفضل يا بني، دخل الرجل إلى غرفة الاستقبال.. وانتظر طويلاً، ساعة.. ساعتين، ما هذا؟؟؟!! الوقت يمضي ولا أحد، فقد مضت الساعات الطوال.
وبعد طول انتظار.. دخل الحكيم الهندي وألقى التحية، وجلس ساكتا لبرهة من الزمن، والضيف يفكر كيف يبدأ حديثه!!؟
والحكيم الهندي ساكت! بدأ الرجل بالحديث قائلا: جئتك من بلاد بعيدة لأحصل منك على حكمة تنيرني في حياتي.
قال الحكيم الهندي: حسناً يا بني.
سكت الحكيم الهندي طويلاً يفكر..!! ثم قال متسائلاً: أتشرب الشاي يا بني؟! قال الرجل على الفور: نعم أشرب يا حكيم، (الضيف منذ ساعات لم يتذوق شيئا).
ذهب الحكيم لبرهة من الزمن ثم عاد يحمل معه صينية فيها إبريق من الشاي وكأس.
وبدأ يصب الشاي في الكأس، ويصب، امتلأ الكأس والحكيم يصبّ، امتلأت الصينية.. والحكيم يصب!! فاض الشاي على المنضدة.. والحكيم مستمر بالصبّ!! حتى فاض الشاي على الأرض.. وهو غير مبالٍ بما يفعل..
فجأة قال الضيف: كفا.. كفا.. ما هذا؟!..أنت حكيم أو مجنون؟؟!!
رفع الحكيم بصره للرجل متعجبا وقال: يكفي يا بني؟ قال الرجل: نعم.
وهنا قال الحكيم الهندي: انظر يا بنيّ إذا أردت أن تستفيد من هذه الحياة فينبغي أن تكون كأسك فارغة،
فأنا حين تأخرت عنك امتلأت كأسك.. ولم تستطع أن تستقبل مني شيئا..)أ.هـ
إذا عليك أيها القارئ اللبيب قبل أن تعمد لتحقيق ما تريد أن تفرغ ذهنك من كل ما قد يقف عائقا أمام تحقيق أمنياتك أو حتى يشوهها كالمشاغل الدنيوية، والأفكار السلبية وأمراض القلوب المنتنة من حسد وبغض وكراهية.
لتجني ثمار ما تريد عليك أن تفرغ كأسك لتستوعب فتحفظ وتعمل.. وإلا سيفيض ما تريد إلى الأطراف كما فاض الشاي من الكأس..
وإذا أحسست أن الكأس بدأ يمتلئ، فتوقف وغير من حالك وتذكر قوله تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ} (11) سورة الرعد.
حتما إن صفاء الذهن يساعد على التركيز في المطلوب، والدقة في التنفيذ، والإتقان في العمل، والتميز في الأداء.
وعلى من تصدى لتعليم الناس أن يتجنب عملية حشو الأذهان بما لا تطيق حتى لا تفيض الكؤوس بما فيها فيكون معلماً مملاً شيئا ما.
م/ ندى البكر - الرياض