Al Jazirah NewsPaper Friday  23/05/2008 G Issue 13021
الجمعة 18 جمادى الأول 1429   العدد  13021
جامعة الإمام ومسيرة التغيير
د.إبراهيم بن محمد الشتوي

كان افتتاح كلية الشريعة نواة أم القرى في مكة المكرمة نهاية الستينيات من القرن الهجري المنصرم تطورا طبيعيا لافتتاح المعهد العلمي السعودي ومدرسة تحضير البعثات التي أمر الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود يرحمه الله بافتتاحها منذ فجر التوحيد.

وكان نجاح تلك التجربة المتمثلة بالتطور التدريجي في افتتاح مراحل التعليم قبل الانطلاق إلى قمة الهرم مؤذنا بتكرار التجربة عينها في نجد وإنشاء مؤسسة تعليمية تؤهل أبناء هذا البلد للقيام بمسئولياتهم تجاه وطنهم، وتسهم في بنائهم بناء يجعلهم في مصاف أبناء الأمم الأخرى. فكان أن أوكل - الملك رحمه الله - إلى سماحة مفتي الديار االسعودية آنذاك افتتاح المعهد العلمي في الرياض الذي كان إرهاصا لافتتاح كلية الشريعة نواة جامعة الإمام. ومنذ ذلك الحين تمثل جامعة الإمام منارة من منارات العلم والتعليم ليس في الملكة العربية السعودية وحسب وإنما في جميع أنحاء المعمورة تسعى إلى نشر الخير والفضيلة وفق رؤية السلف الصالح ومنهج أهل الحديث رحمهم الله.

وعلى الرغم من أن القول بأن جامعة الإمام لا تمثل تجربة خاصة بقدر ماهي شتات متفرقة بين عدد من الخبرات/الأنظمة التعليمية، لا تمثل تجربة واحدة، بالرغم من هذ القول، فإنني أرى أن هذه التجربة تستحق التأمل والدراسة والتقويم.

بدأت الجامعة من خلال بناء كلية للشريعة واللغة فصلتا فيما بعد وأضيف إليهما كليات وتخصصات أخرى ساهمت في تنوع مخرجات جامعة الإمام. كانت تلك الإضافة داخلة تحت شعار (أسلمة العلوم) ولذا فقد خضعت تلك الإضافة إلى معايير في الغالب من خارج التخصص ساهمت في تحديد دور هذه التخصصات والجزء المراد منها. هذه الرؤية نحو افتتاح هذه التخصصات كانت تحمل في داخلها التهمة المسبقة بأنها خارج صفة الإسلام فهي إذاً بحاجة إلى تحويل إلى الإسلام؛ مما يجعلها بحاجة إلى وصاية من قبل العلوم المسلمة الأمر الذي يعني ضمنا أنها أقل درجة ومنزلة من العلوم الأخرى في الجامعة. الأمر الذي أدى إلى حصر تأثير هذه التخصصات في إطارين اثنين:

1- تقديم هذه التخصصات للمجتمع بفتح كليات أخرى تستوعب أعدادا من راغبي الدراسة.

2- حصر هذه الأقسام في محيطها العلمي الخاص بحيث لا تتجاوزه إلى إشاعة النظريات والرؤى التي تحملها الجامعة إن في نظام الجامعة أو في التخصصات الأخرى.

ولعل هذا مثلا ما يفسر ضعف تأثيير قسم التربية في طرائق التعليم في الجامعة أو في فلسفة التعليم بوجه عام وكذلك علم النفس والاجتماع والإدارة.

هذه المرحلة من التغيير لم تحدث تغييرا كبيرا في الجامعة وذلك أن النظر إلى الجامعة وتخصصاتها ظلت تقليدية مرهونة بتقسيم العلوم إلى علوم أساسية وأصيلة وعلوم أخرى دائرة في فلكها وتابعة لها. في هذه المرحلة لا يؤثر التغيير كثيرا مهما تعددت التخصصات واختلفت أنواعها.

تلت هذه المرحلة مرحلة أخرى تمثلت بإشراك منسوبي هذه التخصصات في اتخاذ القرار بالجامعة بل إسناد صناعة القرار إليهم بأعلى مستوياتها، وفد كان لهذه الخطوة أن تؤدي إلى تغييرات جذرية في الجامعة لو كانت تلك العناصر قد سعت إلى التخاص من تأثير المرحلة السابقة عليهم، إذ ظلوا يدورون في فلكها ويعيدون إنتاجها بكل أخطائها بوصف هذه الأخطاء في أحايين كثيرة جزءا من فلسفة العمل الإداري في الجامعة وجزءا من تكوينها دون أن تطال هذه التغييرات اللوائح والأنظمة والرؤية الأكاديمية أو تسيير العمل الإداري في الجامعة وهو ما جعل التغيير محدود الأثر يقتصر على بعض الجهود الفردية التي تزول في الغالب بزوال أصاحبها خاصة أن إدارة الجامعة اعتمدت على عناصر متحولة من المرحلة الأولى تؤمن بإطروحاته وتعد أنها امتداد لها ولرسالتها، وهو ما أعاق عملية التحول في الجامعة كثيراً.

هناك عدد من المقولات كانت سائدة في المرحلة الأولى ومازالت تشيع بين بعض الأسماء في الجامعة من مثل: (رسالة الجامعة) أو (خصوصية الجامعة) أو (تخصص الجامعة). هذه المقولات تتردد كثيرا دون أن ترفق بإيضاح وتحديد لدلالتها أو ما يقصد منها. وهي مقولات تثير عددا من الأسئلة عن هذه الخصوصية والرسالة: هل الجامعة تحمل رسالة غير رسالة المجتمع الذي تنتمي إليه والدولة التي ترعاها؟ هل الدولة والمجتمع غير قادرين عن أن يعبرا عن نفسيهما وعن خصوصيتهما حتى تكون هناك جامعة تحمل خصوصية أخرى ورسالة مغايرة؟

على أن الأمرالمهم هو أن هذه المقولات والتفسيرات ليس لها ذكر في اللائحة الموحدة؛ فليس هناك إشارة إلى وجود جامعات متخصصة إلى جانب الجامعات الشاملة. بل إن القواعد التنفيذية التي أضيفت إلى أصل من قبل مجلس الجامعة لا يعطي هذه الخصوصة والرسالة أي اعتبار وكل القواعد التنفيذية هي قواعد تسعى لتفصيل أو توضيح بنود اللائحة الأصلية. هنا يبدو لنا طريقة التفكير التي كانت سائدة في المرحلة السابقة والتي من خلالها يتم التعاطي مع الأشياء والظواهر العلمية والأكاديمية في الجامعة والتي أنتجت ما نحصده الآن في الجامعة.

هذه التساؤلات عن خصوصية الجامعة ورسالتها تفضي بنا إلى الموضوع الأكبر الذي أثار جدلا حول معناه، وهو صفة (الإسلامية) فبالرغم من أن الجدل حول معنى الوصف بالإسلامية ليس جديدا فالشيخ صالح بن فوزان الفوزان عضو هيئة كبار العلماء منذ زمن ليس بالقصير يجادل في معنى وصف الأناشيد ب(الإسلامية) إذ يرى - حفظه الله- أن كلمة إسلامية تعني نسبتها إلى الإسلام (وليس في الإسلام أناشيد دينية) (الفوزان،1413ه،ج3، ص178) وقريب منه الجدل الذي يدور حول وصف الأدب بأنه (إسلامي) أو وصف الاقتصاد بأنه (إسلامي) أيضا. وحتى لا تتكرر مأساة الذي يظن أن معنى (إسلامية) أن تعنى الجامعة بتدريس علوم محددة أو بحماية مصالح فئة معينة نسارع إلى القول بأن وصف (إسلامية) كما تظهر المواقف السابقة لا تعني معنى محددا بقدر ما توحي في هذا الموضع بأن هناك توجها عاما نحو العناية بالحضارة الإسلامية وتراثها العظيم بوجهه الفكري والعلمي فهي تطمح إلى الكشف عن ملامح التجربة الحضارية الإسلامية التاريخية ودراستها دراسة تمكن من الاستفادة منها دون الوقوع في غرامها لحد الاستلاب المفضي إلى استنساخها وتكرارها كما وأنها التجربة الكاملة التي لا يطالها النقص أو الخطأ، وذلك أن تلك التجربة قد فرغ كثير من مضامينها في الحضارات التي تلتها وأصبحت غير قابلة للتكرار، فجامعة الإمام إذاً تجربة رائدة تقوم على الوعي بقيمة الحاضر ومتطلباته وترتبط بالماضي وعراقته وتستشرف المستقبل وتحدياته. هذه الملامح الثلاث تبدو في مسمى الجامعة وفي طريقة تناولها للتخصصات العلمية فيها وليس بوصفها مؤسسة تدرس علوما محددة أو تتبنى أطروحات فكرية محددة أو تحتكر من لدن فئة معينة.

الجامعة الآن تعيش تجربة جديدة من التغيير نحو الأفضل قد يبدو للوهلة الأولى أنها إعادة الجامعة إلى المرحلة الأولى لكن الخطوات التي يقوم بها معالي الأستاذ الدكتور سليمان أبا الخيل مدير الجامعة والجهود التي يبذلها في تطوير الجامعة تكشف عن رغبة جادة في التحول نحو الأفضل كما تكشف عن خطوات جادة في هذا الاتجاه تمثلت بافتتاح عدد من الكليات الجديدة والتوسع في قبول الطلاب والاهتمام بالإنفاق على البحث العلمي وتطويره وإشراك القيادات الشابة، كما يتمثل في طموحاته التي أعلنها أكثر من مرة في استكمال عقد الكليات العلمية في الجامعة. هذه الطموحات لن تكتمل إلا من خلال النظر في مكونات الجامعة الأساسية المتمثلة في اللوائح والأنظمة كما إعادة النظر في مفهوم العلم والبيئة الأكاديمية ومكونات البحث العلمي وأدواته التي هي جزء أصيل من الجامعة.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد