Al Jazirah NewsPaper Friday  23/05/2008 G Issue 13021
الجمعة 18 جمادى الأول 1429   العدد  13021
الفراعنة (الظاهرة) !
محمد بن عيسى الكنعان

لم يكن للوسائل الإعلامية والأوساط الثقافية حديث في الشهر الفائت إلا عن النتيجة غير المتوقعة التي آلت إليها مسابقة (شاعر المليون)، التي اختتمت فعالياتها الشعرية مساء الثلاثاء 8 أبريل 2008م في مدينة أبو ظبي الإماراتية، حيث أحرز بيرق هذه المسابقة في نسختها الثانية الشاعر القطري من أصل سعودي خليل الشبرمي، رغم أن كل التوقعات كانت تصب في صالح الشاعر السعودي ناصر الفراعنة السبيعي وفقاً لنتيجة لجنة التحكيم التي منحته الدرجة الأعلى بين الشعراء الخمسة المتنافسين في الحلقتين الأخيرتين من البرنامج، وقياساً بالجماهيرية الجارفة التي حققها الفراعنة على مستوى المملكة وصعيد دول المنطقة بشكل ٍ عام فما الذي حصل وخرج الفراعنة من مولد شعر بلا بيرق أو حتى حمص ؟ ما الذي فرعن المسابقة على فرعون الشعر ؟، خاصة ً أن التصاريح التي صدرت عقب نهاية المسابقة كانت متباينة.

ولأن التباين في المسألة يعني افتقار واقعها للوضوح، فإن هذه المسابقة التي تابعها الملايين لم تكن واضحة الملامح والنهايات، ما يؤكد أنها (تجارية) في الدرجة الأولى، وأن الطعم التجاري كان (الشعر الشعبي) الذي يلقى قبولاً لدى أبناء الخليج عموماً، والوسيلة هي (تقنية الاتصالات)، والمستهدف هو (الجمهور السعودي) الذي يشكل السواد الأعظم من العنصر البشري، سواء ً الشاعر المشارك أو المواطن المشاهد، لهذا لم أستغرب خروج (الفراعنة) بتلك الكيفية، ونهاية المسابقة بتلك المسرحية الهزلية، لكوني ممن يعتقدون أن العبرة ليست في شعراء ينشدون على المسرح، ولكن في ما يجري في كواليسه، وقبل هذا وذلك في (عقليتنا) التي تلاحق كل دعوى تجارية مغلفة بشعر أو فن أو موهبة، فننساق إلى منحدر (الهدر المالي)، إعجاباً لهذا الشاعر أو حباً في ذلك الفنان أو دعماً لتلك الموهبة، معتقدين الإنصاف في الأحكام، والنزاهة في التقويم، بينما الطرف الآخر ينسج خيوط المسابقة وفق معاييره (التجارية المحضة)، باستغلال واضح لوسائط الاتصال من رسائل الجوال وخطوط الهاتف، لكونه يدرك قبل غيره أنه أقل الناس حظاً في الشعر أو الفن أو الموهبة، لأن هذه القارة التي تتربع على عرش الخليج، وتسمى (السعودية) هي من يُبدع الشعر، ويصنع الفن، ويفرّخ المواهب الخليجية بشكل عام، ففيها أكبر حجم مشاهدة تلفزيونية بين دول الخليج، وهي أضخم سوق إعلانية في المنطقة العربية.

مع ذلك فإن الشاعر ناصر الفراعنة الذي خسر المسابقة (التجارية) قد كسب المسابقة (الحقيقية) بتحقيقه (الظاهرة الجماهيرية) في الشعر الشعبي دون منازع، حيث امتزجت (الموهبة الشعرية والقدرة الإبداعية بالشهرة الإعلامية)، بحكم تميزه ب(لغة شعرية خاصة) لا يجيدها إلا هو شعراً وفكراً وإلقاءً، ما أدى إلى شيوع قصائده العبقرية مثل (الله أكبر) و(ناقتي) وغيرها التي صارت ترانيم الكبار، وأناشيد الصغار، ونغمات الأجهزة الهاتفية المحمولة، وأحاديث مجالس المجتمع ومنتديات الإنترنت بمواقعها الحوارية ومقاطعها المتحركة إضافة ً إلى أن حياة الشاعر الفراعنة تحولت إلى (مادة تاريخية) تتناقلها المراسلات البريدية الإلكترونية، فضلاً عن تسابق المجلات الشعرية والفنية على مضمار السبق الصحافي حول الجديد في حياة فرعون الشعر الشعبي. ولأن الناس هم من يصنع الظاهرة وليس الإعلام (التجاري)، فسيبقى الفراعنة شاعر أكثر من مليون، والقصد هنا مليون من الناس وليس المال، المهم أن يقول الشعر الهادف المعّبر عن هموم الناس وآمالهم وقضايا الأمة والوطن .



Kanaan999@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد