جاءني زميلي الفلسطيني مبتهجاً، بعد أن أدّى اليمين على المصحف على الولاء للولايات المتحدة الأمريكية، ونال بذلك الجنسية الأمريكية كمحصلة لإقامة أربع سنوات، هو وأبناؤه.
لحظت خلال حواراتنا التي تلت عن أمريكا، أنّه صار يتكلم عنها بروح المواطن المخلص والمتحمِّس، وكأنّه وُلد فيها وورث عن آبائه وأجداده الانتماء إليها ..
كان الحديث مرّة عن الديمقراطية الأمريكية، فإذا بصاحبنا ينتقد أمام عدد من مواطنيه السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، ولكن من منطلق الخلاف بين مواطن وآخر حول سياسات بلدهما. ورغم أنّه لم يكن يخفي أنّه فلسطينيّ المولد والنشأة، إلاّ أنّه في نفس الوقت فخور بإرثه الثقافي الأمريكي، وحريص على مصالح البلد الذي يحمل جنسيته، ومنافح عن السياسة التي يعتبرها الأصلح لخدمة هذه المصالح.
بنفس القدر ونفس الأسلوب، كان محاوروه الأمريكان، ومنهم اليهودي، والروسي، والأفريقي .. الكل كان أمريكياً بنفس القدر، وبغض النظر عن مدة انتمائه (الورقي) وطول إقامته (الفعلية) على الأرض.
في المقابل وجدت أنّ هذه الروح تواجه بتحديات عندما يتكلم عربي عن بلده. ففي إحدى الجلسات بالمركز الإسلامي الذي كنت أنتمي إليه خلال فترة دراستي بأمريكا، أبدى خليجي رأيه في سياسة بلده الداخلية تجاه ضيوفها العرب، فردّ عليه آخر بأنك آخر من يحق له أن يتحدث في هذا الشأن وأنت لم تحصل على الجنسية إلاّ بصدفة الميلاد.
وتكلم خليجي آخر عن شأن ديني فهمس أحد مواطنيه بأنّ الأخ من أقلية طائفية ولا يعبِّر عن رأي المجتمع ككل. وعندما تكلم عربي ثالث عن موقفه من سياسة السلام، كشف مواطنه أنّ الأخ ينتمي إلى فئة المهاجرين، رغم أنّهم أغلبية، وليس من أهل البلد الأصليين! وطبيعي أن لا يكون عنده ولاء لسياسة لا تخدم مصالح (جماعته)!.
آن الأوان لأن نتجاوز كأُمّة تاريخنا الجاهلي، فبعد ألفية ونصف من الإسلام الذي وحّد القلوب، وأسس لمعايير تزن الناس بميزان التقوى والعمل، لا الأصل والفصل .. وبعد قرابة قرن من تأسيس مفهوم الوطن والوطنية في العالم العربي، لا زال بعضنا يفكر بهذه العقلية .. وهكذا فالأصلح للقيادة وللمناصب أو حتى لإبداء الرأي والتعبير، ليس بالضرورة الأعلى شهادة والأكثر خبرة وكفاءة وفق ما يفكر به هؤلاء.
kbatarfi@gmail.com