(السر) تلك الجنازة المكفنة بالكتمان.. المدفونة في باطن الأفئدة.. بعيداً عن ضواري الزمان وسائبات المكان.. (السر) تلك العين المغمضة التي في غمضتها انفتاح على وجه آخر ورؤية أخرى حملتنا الأقدار وخوفنا (مواراتها).
(السر).. ذلك العالم الآخر الذي نراه في أعماقنا.. نتلو على بواباته (ميثاق الشرف).. وننشد تحت ظلمة أسواره أناشيد (الثقة)... ونخطو خطواتنا في مدينته (حذراً) يقربنا إليه زلفى.. فيهمس لنا بصوته (الرخيم) وصايا من حكمته وشذرات من غيبياته.. كان مما حفظت منها:
كم خبأ الليل وسط سواده خضرة الأرض.. وكم خبأ الصبح في إشراقه (خفافيش الظلام)!
كم ضحكت الأفواه لتواري بكاء القلوب.. وكم تحدرت الدموع وفي ملوحتها (قهقهات) التشفي..!
كم توارى تحت عباءة الهيبة عبث.. وكم تكننت تحت (جعدة الجنون) حكمة..!
كم استقبحنا (الظلام) فبزغ من جوفه بريق النجوم.. وكم استنعمنا جلود (الأفاعي) فبثت من أنيابها السموم!
كم أطربتنا (الجعجعة) وما رأينا الطحن..!
وكم أرعبنا (الحسيس) فوجدنا الدفء..!
كم دفنت في (مقابر) القلوب أسرار.. فكان (السر) عالماً آخر (كالبرزخ) كامناً خلف (المنظور) و(متوارياً) خلف (الملموس)..
من جال في جنباته بوجه حق جاء البيوت من أبوابها.. ومن تعدى عليه بغير حق (هتكه) كهتك (العرض)..
(ما السر؟
باب مغلق إذا فتحته انكسر..)
(أدونيس)
almdwah@hotmail. Com