«الجزيرة» - محمد المنيف
في أمسية تعانقت فيها قاعة حوار بنجوميتها مع هالة قمر الثاني عشر من هذا الشهر شكَّلتا معا جمالاً أضفى فيها القمر ضياءه على الرياض وأضفت القاعة إشعاعاً ثقافياً بحسن اختيارها للمعارض التي تقام بها فاستحقت أن تكون به القاعة المنافسة بكل جدارة للقاعات العالمية ولقاعات الفنون الخليجية بتمسكها بهويتها وحرصها على الفن العربي من خلال تنوع الأعمال وقيمة الأسماء التي تُدعى للعرض فيها.. كما كان حضور النخب الثقافية للمعارض التي تقام فيها نتيجة قناعتهم دليلاً قاطعاً على تحقيقها الهدف الذي أنشئت من أجله، فكان لهذه الأمسية التي افتتح فيها معرض الفنان العربي الأصل العالمي الشهرة والحضور والإبداع ما كان لسابقاتها من حضور متميز يتقدمهم الشيخ إبراهيم الطاسان والد الفنانة شذى الطاسان المدير العام المؤسس لقاعة حوار وبتشريف من وكيل وزارة الثقافة والإعلام للشئون الثقافية الدكتور عبد العزيز السبيل، وحضور المهندس إبراهيم الزامل، وعدد كبير من التشكيليين والإعلاميين.
كان المعرض مستحقاً الاحتفاء.. كما أن المحتفين به أيضاً يستحقون التقدير لاقتطاعهم هذه الفترة الزمنية من وقتهم الثمين تقديراً للفنون وللمبدعين، فالمعرض لقامة تشكيلية عربية نافست بعلوها هامات التشكيليين العالميين في عقر دارهم وأثبتت قدرتها وأهميتها من بين الكثير من المعارض والتجارب، نجا مهداوي إذا ذكر اسمه أمام الأحرف العربية تقف له احتراماً لتأتي إليه بكل طواعية فتذوب بين أنامله لتتشكَّل كما يشاء وتصبح عملاً بصرياً جديداً لم يكن له وجود ولا شبيه من قبل.
دور القطاع الخاص
ثمَّن الدكتور عبد العزيز السبيل وكيل وزارة الثقافة والإعلام للشئون الثقافية الدور الكبير الذي يقوم به القطاع الخاص في دعم الثقافة بشكل عام والفنون التشكيلية بشكل خاص المتمثل في إقامة وتأسيس قاعات عرض تضيف للذائقة ارتقاء وتدفع الساحة للتحرك.. مشيراً إلى أن قاعة حوار إحدى هذه المؤسسات الداعمة بما ساهمت وتساهم به من إقامة المعارض التشكيلية وعلى هذا النحو من الدقة في الاختيار التي تتضمن خبرات وتجارب الفنانين ومستوى الأعمال التي تفرزها هذه التجارب.. هذا الحديث كان لحظة ترحيب معالي الشيخ إبراهيم الطاسان بحضور الدكتور عبد العزيز افتتاح معرض الفنان نجا مهداوي.
الحرف فرس والفنان فارس
معرض نجا مهداوي المقام حالياً في الرياض وفي الدور الثاني والخمسين في برج المملكة التجاري يُعد من المعارض التشكيلية الأبرز خصوصاً أن لحروفه العربية صوتاً مجلياً في كل آذان المثقفين الغربيين وفي وجدان كل صناع الفنون هناك ليصل صداه إلى أعماق كل مثقف عربي مختص بالفنون فبنى له بها قاعدة واسعة من الشهرة جعلت الجميع ينتظرون موعداً لمثل هذا المعرض للتعرف عليه عن قرب، فنان امتطى صهوة الحرف كفارس عربي يعرف قيمة الحرف ويمتلك القدرة على ترويضه والدخول به في مضامير الفنون العالمية محققاً به السبق منطلقاً بخفة ومهارة في مقدمة الصفوف.
الفنان نجا مهداوي يُعد من الحروفيين لكنه مختلف ومتميز عنهم، فالبعض أحدث تغييرات متعددة في الحرف من خلال إعادة تشكيله، حاولوا إعادة تأليفه بعد تجريده من العبارة لكنهم لم يحققوا ما تحقق للفنان نجا مهداوي، فالحرف عن نجا يتوالد ويتكرر ويمتد ويتحرك في كل اتجاهات البوصلة يجمع المتناقضات فيه من الشكل الممتلئ إلى الفارغ في وقت واحد، قيل عنه إنه مصمم رقصات الحرف وقيل إنه مهندس الحرف وصائغه تشكيلياً وقيل عنه فارسه الأول، يتعامل الفنان نجا مع حروفه بحداثة معاصرة دون إخلال بروحه وتراثه وأصالته، إبداعاته تحمل روح الهوية التي يشكِّل فيه الحرف العربي حجر الزاوية فهو الحرف الذي كُتب به القرآن.. ولهذا فالفنان يعي أن الهوية تنبع من هذا الدين، فحق للحرف بعد أن نقل الوحي أن يحترم وأن يقدم بالشكل الذي يليق به دون ابتذال أو تبديل، قدم الفنان نجا مهداوي الحرف العربي بصيغ جديدة لكنها لا تنفصل عن أصول كتابته، طوَّعه بأسلوبه ليتمكن من توظيفه بما يحفظ له قيمته ومقامه فصاغه ذهباً وألماساً.
أخيراً:
نود الإشارة إلى أننا سنقدم في عدد المجلة الثقافية الاثنين القادم ما دار من حديث مع الفنان نجا مهداوي عن تجاربه العالمية.. وكيف يرى تجارب الحروفيين العرب.. وماذا قدم في معرضه الحالي؟