|
لو أمكننا تتبع مسيرة أي شاعر على مر التاريخ فلن نجد في قصائده إلا ما ندر، ما يوحي أنه رد بقدر ما أخذ، فالعطاء الذي تمتع به كان ثراً وندياً وصادقاً ومنزهاً كان بلا منة وبلا حساب ومن دون شروط ومن دون طلب، كان غيثاً في موسمه دافقاً عذباً رقراقاً غنياً، تجدب الأرض وتستعصي (فياضه) على العطش. |
قطرة منه تنبت وتغذي وتندي الروح، نقي لم تمسه يد التقنية، دائم الهطول غني المكونات طبيعي التكوين نادر النوع واللون والشكل والرائحة إنه عطاء الفطرة الذي لا يحده حد، فمن لنا بمانح نادر المنح يتهلل بشراء كلما أحس أننا أخذنا منه أكثر فأكثر، بل كلما منح أحس أنه لم يكن عطاؤه كما كان يتمنى. |
إنه العطاء الذي يدفعه الحب ويلفه الحنان وتجلله الشفقة ويسيّره العطف إنه عطاء الكبار خلقاً ومنحاً وبذلاً إنه عطاء الأمهات الصابرات الراعيات نبات الأبناء لحظة بلحظة الساهرات لنهنأ الشقيات لنسعد المحرومات لننعم الجائعات لتشبع الظمئات لنرتوي. |
|
أطع الإله كما أمر |
واملأ فؤادك بالحذر |
وأطع أباك فإنه |
رباك في عهد الصغر |
واخضع لأمك وارضها |
فعقوقها إحدى الكبر |
وليس أجمل خلقاً من مانح بلا حد ولا هدف إلا الحب المجرد النقي |
أجمل عطا من صاحبه |
يعطي ولا يرجي بديل |
ومن يحتري رد العطا |
ما كنّ سوى له جميل |
وأجمل شعور انك تحسّ |
انك بتقصيرك بخيل |
وفي كل ما كتب الشعراء وأبدعوا لم أر القصيدة (الوفاء) أو القصيدة النموذج التي تعطي انطباعاً حقيقياً عن وفاء الشاعر لوالديه أو لأمه بالذات |
|
الأم مدرسة إذا أعددتها |
أعددت شعباً طيب الأعراق |
الأم روض إن تعهده الحيا |
بالري أورق أيما إيراق |
الأم أستاذ الأساتذة الأُلى |
شغلت مآثرهم مدى الآفاق |
|
العيش ماضٍ فأكرم والديك به |
والأم أولى بإكرام وإحسان |
وحسبها الحملُ والإرضاع تدمنه |
امرأن بالفضل نالا كل إنسان |
|
لأمك حق لو علمت كبير |
كثيرك يا هذا لديه يسير |
ولكن ماذا عن الأم التي ترى البر والنفع بمنظار هو الأكثر صفاء وهذه إحداهن |
يالله لا تقطع مرادي وشقي |
اصخر جنيني بالهدى والمطاعة |
حملت كره وناظري ما يغفي |
اسهر إلى شفته تذارف دماعه |
شلته على متني ونومه بصفي |
وغذاه من مشة ضميري رضاعة |
احط هدمي بالشتا له مدفي |
وارجيه رجوى من بذر له زراعة |
ومهما كتب الشعراء وأبدعوا فلن يصلوا إلى القصيدة النموذج التي تسجل في خانة عطاء الشاعر، وهنا نموذج من النماذج الطيبة لسعود بن بندر -رحمه الله- تجاه والدته |
لا كنت انا لا كان يوم زعلتيه |
وشلون ابرضي خالقي لا زعلتي |
كلش ولا تكدير خاطرك ما ابيه |
كل يهون ارضاه عندي سوى انتي |
ياللي وجودك فارغ العمر ما ليه |
لا تهت في ليل الاحاسيس بنتي |
ولا يفوتني أن أعرج على بيت مشهور لسعود بن بندر أيضاً حيث يخاطب والدته قائلاً: |
يا ليتني بينك وبين المضرة |
من غزة الشوكة إلى صرخة الموت |
ومهما كتبنا فلن نصل إلى شيء يسير مما يجب فعله من أجل من أنكرت ذاتها في كل شيء من أجلنا ولن أستغرب أن يبدع الشعراء في كل مجال يتطرقون إليه وتبهت قصائدهم إذا كان الحديث عن الأم ليس لعدم قدرة منهم، بل إن هدف الشعر هنا ليس سهلاً، يقول حامد زيد: |
أمي لها بالقلب والجوف منزله |
مكانة ما كل محبوب نالها |
اتبع رضاها وارتجي زود قربها |
واللي طلبته من حياتي وصالها |
الصدق مرساها والاشواق بحرها |
والعطف واحساس الغلا راس مالها |
يا كلمة اغلى من الناس كلهم |
يا شمس بقلبي بعيد زوالها |
يا فرحة تملي لي الكون باكمله |
يا شجرة تكبر ويكبر ظلالها |
تضحك لي الدنيا ليا شفت زولها |
مثل السما تزها بطلة هلالها |
والبعد عنها ياهل العرف ما اقدره |
لاشك ناري زايدة باشتعالها |
ماعيش ببلاد ولاهيب بأرضاها |
ولابي عيوني كان ماهي قبالها |
ارضٍ تدوس امي بالاقدام رملها |
اموت فيها واندفن في رمالها |
ومع ما للأب من كبير إلا أن الملاحظ أن الحديث عنه شعراً ونثراً أكثر من الحديث عن الأم وكأنها مما نخجل من الحديث عنه كما جاء في أبيات خالد المريخي: |
أمي ما هي ام أمي كنز حنيه |
حلاة هالكون كله منوخذ منها |
محبة الأم ليه تصير مخفيه |
محبة الام مدري ليه ندفنها |
امي مهمه واهم من الاهميه |
ابفتخر في محبتها وابينها |
عذوربها بس طيبتها خياليه |
يازين عذروبها اللي مايشينها |
|