أجمعت معظم وسائل الإعلام العربي على الحديث عن مرور ستين عاماً على النكبة، وعرضت الفضائيات لقاءات متعددة حول هذا الموضوع، ونشرت الصحف عشرات المقالات، والتحليلات، والتقارير الصحفية عن مرور ستين عاماً على احتلال أرض الإسراء والمعراج من قبل القوات اليهودية المدعومة من العالم الغربي مادياً ومعنوياً، ومن العالم العربي فرقةً وخلافاً وخضوعاً للأعراف الدولية غير العادلة، خدم العدو المغتصب خدمةً كبيرة، ويسَّر أمامهم طريق الوصول إلى ما أرادوا.
تعدَّدت الآراء في النكبة وأسبابها، وعادت إلى بعض الواجهات الإعلامية العربية أفكار القومية العربية، والناصرية، واليسارية، وغيرها من الأفكار التي كنا نظنها ذهبت مع ذَهَاب قُواها العسكرية والسياسية، وجدواها الفكرية والاقتصادية والاجتماعية.
عادت الأفكار المتضاربة وكأن الأمة المسلمة لم تعد تفهم وضعها، وتعي حقيقة ما هي عليه، ولم تعد تذكر تفاصيل تلك الأفكار المنحرفة في ماضيها القريب، وما كان لها من أثرٍ سيئ في حياة الأمة.
ذكرى النكبة، حضور إعلامي عربي قويٌّ، ولكنه مضطرب، متناقض يدل على الحالة العامة للأمة التي تعيش على الاضطراب والتناقض والخلاف.
من الذي صنع النكبة؟ من الذي أسلم أرض فلسطين إلى المحتلِّين؟ من الذي حطَّم روح الأمة المعنوية وقضى على روح الجهاد الإسلامي الحقيقي فيها؟ من الذي مكَّن لهؤلاء اليهود في أرض بيت المقدس حتى أصبحوا دولةً ذات كيانٍ وقوَّةٍ واستقلال؟
أسئلة تعرف جواباً واحداً صحيحاً، ولكنَّه جواب مُرُّ المذاق، جوابٌ يكاد يغيب عن معظم البرامج والتقارير والتحليلات التي نشرت وتنشر في هذه الفترة عن ذكرى النكبة (ذكرى احتلال فلسطين وإعلان قيام دولة العدوِّ الصهيوني).
إنَّ أبناء الأمَّة المسلمة، وأقطاب الأمة العربية الذين واجهوا تخطيطَ الأعداء بالفوضى، وتلاحمَ المغتصبين بالفرقة، واتفاقَ المستعمرين (المستخربين) بالتناقض والخلاف، هم الذين صنعوا النكبة، وخدموا الأعداء الذي نفخوا فيها النار.
لقد انساقت معظم قيادات العرب والمسلمين وراء شعارات عقدية وفكرية خادعة منفصلة عن روح الأمة المسلمة وعقلها وفكرها وواقعها الاجتماعي، وتبنَّى بعضهم (أيديولوجيات) الغرب والشرق، وتحمسوا لها، وقاتلوا من أجلها، واضطهدوا مَن خالفها من أبناء عقيدتهم، وشركائهم في الأرض والتاريخ وكثير من القيم، فعلوا ذلك في الوقت الذي كانت فيه دولة اليهود الغاشمة المسمَّاة بإسرائيل، تغرس كيانها البغيض في أرض المسلمين بدعم من حلفائها الحريصين عليها في أوروبا وأمريكا وروسيا.
في ذكرى النكبة تأكد لنا أن كثيراً من أبناء العرب والمسلمين ما زالوا صُنَّاعاً لها داعمين لمن ركب مطيَّتها من الأعداء، وهنا مَكْمَنُ النكبة الحقيقية.
إشارة:
هم الذين مشوا في دربها، ولها
قاموا احتفاءً وفي كرسيِّها قعدوا