في دراسة مستفيضة (قديمة) مقدمة إلى مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية عام (1992م- 1412هـ) وجد فريق البحث عند مقارنة الإصابات والوفيات التي حدثت أثناء أسابيع المرور بالحوادث التي وقعت خلال فترة ستة أسابيع (قبل وبعد) أسبوع التوعية المرورية.. أن التوعية المرورية التي تمت لم تؤثر في انخفاض عدد الحوادث أو الإصابات والوفيات.. ولم يجب التقرير لماذا؟.. وكمتابع ومهتم شخصياً سأحاول أن أشخص الأسباب وربما أحدد الإجابة.
العملية التوعوية إذا لم تنجح في تغيير عادة المتلقي فذلك يعني أنها بالنسبة له عملية إخبارية عن الغير.. أي أنها في خَلَدِه تكون موجهة للغير وليس له.. فالآخرون وحدهم هم الذين يتعرضون للحوادث.. وهذه غريزة إنسانية رغم علمنا بها إلا أننا لا نتعامل معها.. فالمدخن يعلم أن التدخين ضار لكنه يدخن.. ومتعاطي المخدرات يعلم أن تعاطيها ضار لكنه يتعاطاها.. والسرعة قد تقود إلى الموت ومع هذا نسرع.. إنها تلك الغريزة التي تستدني الخير وتستبعد الشر.
في التوعية عن المخدرات من المنطقي أن تتبع في الرسالة التوعوية الأسلوب الإخباري لأن مقابل ذلك رقابة رسمية وشعبية.. لكن في التوعية عن حوداث المرور ليس من المنطقي (في رأيي) أن تتبع نفس الأسلوب الإخباري، حيث لا تأثير للرقابة الرسمية ولا وجود للرقابة الشعبية.. فعموم الناس لا ينظرون إلى السرعة على أنها مخالفة.. وإنما يرونها حرية شخصية لا يجرم فاعلها أو يستنكر فعله.
كما أن هناك سلوكيات خاطئة تتعلق بهذا الأمر.. فحينما يقوم المراهق بتدريب مراهق آخر على قيادة السيارة يكون التدريب في الغالب خاطئاً.. وعندها تترسخ لدى المتدرب عادات مغلوطة مثل ربط فكرة السرعة بالشجاعة وربط فكرة كسر الأنظمة بالحرية.. والإيحاء بأن من تجاوزك فقد أهانك وعليك ردعه بكل وسيلة.. الأمر الذي ألغى كون القيادة أخلاقاً بقدر ما هي مهارة.. لذا لا بد أن يكون تعليم الشاب على يد رجل عاقل متخصص.. يغرس فيه الوعي بمخاطر السرعة وقت المطر.. ومخاطر السرعة في الشوارع الضيقة أو المحاذية للمدارس.. وخطر الاقتراب الشديد من السيارة الأمامية أو الانعطاف يميناً أو يساراً بدون الدخول لمنطقة الانعطاف.. الخ.
حملات التوعية المرورية منذ بدئها التزمت الأسلوب الوعظي المباشر.. وفي رأيي أن الحملة يجب أن تزرع ضمن ما تزرع صفات ونعوتاً ساخرة (وقاسية).. بحيث تطلق صفة محددة على مرتكب كل نوع من أنواع المخالفات المرورية.. تنتشر بين الشباب ويتعارف الجميع على إطلاقها.. يتلقاها الصغير على أنها وصف ذميم من الأفضل له أن يتجنبه.. فتغيير عادة المتلقي (فن) لا بد أن يؤدي إلى تثبيت عادة أخرى تتحول تدريجياً إلى نظام حياة.
واليوم بلادنا تخطو خطوات واسعة نحو القضاء على فلول الإرهاب.. لذلك فقد آن الأوان أن تلتفت الجهات المعنية بالدولة لهذه الكارثة الدائمة التي لا تقل خطورة نتائجها عن كارثة الإرهاب.
لقد لمسنا وبكل السرور العمل الرقابي من إدارة المرور على مخالفات السرعة، حيث قلت معدلات الحوادث وقل عدد الوفيات.. ونتمنى ألا تنتهي حملة المرور على السرعة كما انتهت حملته على حزام الأمان.. كما نتمنى أن تغطي إدارة المرور كافة المسارات المتعلقة بهذه القضية حتى تحل هذه الكارثة الوطنية الدائمة حلاً جذرياً وشاملاً.