كلما وقعت قضية سياسية أو حلت نكبة عسكرية أو نشأت أزمة دينية في أحد البلدان العربية أو الإسلامية في محيط الأمة المترامية الأطراف، رحت أفكر تلقائياً في تفاصيل الواقعة أو أسباب النكبة أو الأزمة حتى أستغرق في التفكير بما يشبه الغيبوبة، لعلي أصل إلى نهاية نفق (الباحث عن الحقيقة)، في محاولة ذاتية ورغبة شخصية لتحديد بداية (خيط المشكلة)، الذي انسل من مسرح الأحداث فتلاحقت المصائب هنا وهناك، مستحضراً نماذج حية لبلدان عربية (مجاورة) وإسلامية (بعيدة) يرتع في أفيائها بوم الخراب الفوضى وغراب البين والقتل، فبالأمس ذبح العراق ولازال على مقصلة الطائفية بسكين أميركية، واليوم جاء الدور على لبنان (الديمقراطي) حيث تُستباح سيادته الوطنية ممن يزعم حمايته، أما أفغانستان فقد ودعّت العصر الحديث عوداً إلى العصور المظلمة، التي نقلها الغرب من أوراق تاريخه إلى جبال الأفغان.
غير أن غيبوبة التفكير لم تدم، لأني دوماً أصل إلى نتيجة محددة هي أساس البلاء في هذه الأمة بشكل عام، وهي أن الأزمة ليست سياسية أو دينية أو فكرية، فهذه موجودات لا يمكن إنكارها أو التغاضي عن تأثيرها ومدى توجيهها لبوصلة الأحداث، إنما أزمة أمتنا (حضارية عامة)، أزمة راهنة بثلاث علل قائمة اجتمعت في جسدٍ واحد فأمرضته، فكانت أعراضه بتلك النكبات العسكرية، والأحداث السياسية، والمشاكل الإقليمية التي تقع في بعض دول وأنظمة العالمين العربي والإسلامي.
الأزمة الحضارية الراهنة تتشكل من ثلاث أزمات فرعية: (قدوة وقيادة وقوة)، راسمةً لوحة قاتمة لواقعنا الراهن. الأولى (أزمة قدوة) تكمن في قلب الأمة بغياب المنهج الإسلامي الصحيح المقتفي لأثر القدوة العظمى والأسوة الأسمى عليه الصلاة والسلام، فلم تعد تجد من يمثل القدوة الحسنة المعاصرة في فكره ومنهجه وتطبيقه إلا من رحم ربك، والثانية (أزمة قيادة) تكمن في رأس الأمة بتعدد الرؤوس (وهو للأسف تعدد متضاد مرفوض وليس تعدداً متنوعاً مقبولاً)، لذا ظهرت الزعانف المتطرفة في بعض البلدان تعبث بمصير الأمة باسم قوى الصمود والتصدي، وكأنها المسؤولة الوحيدة عن مصيرها والقيّم على دولها، والثالثة (أزمة قوة) تكمن في جسد الأمة بعدم وجود (الصحة والعافية) الكاملتين، اللتين تعطيان هذا الجسد الجريح (المقاومة) للدفاع عن نفسه من (آفات الخارج) من غزو بربري واجتياح عسكري، و(المناعة) من (ميكروبات الداخل) من إرهاب وتطرف وانقلابات. هذه اللوحة القاتمة التي تتداخل فيها الأزمات الثلاث تقابلها عزائم صادقة ونيات طيبة من أبناء الأمة المخلصين تتمثل بمبادرات لإصلاح الشأن العربي والوضع الإسلامي العام كمبادرة خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- في هذا الشأن، من خلال تكريس مبدأ الوحدة الإسلامية السليمة، البعيدة عن الاحتقان المذهبي والمنازعة الطائفية، وكذلك تعزيز العلاقات السياسية بين الدول وفق أسس ومعايير واضحة ومعتبرة في عدم التدخل في الشؤون الداخلية لكل بلد، وبناء التحالفات الاقتصادية فيما بينها على مسارات التكامل الصناعي والتجاري، تمهيداً للوحدة الكبرى وهي الهدف المنشود.
Kanaan999@hotmail.com