للإعلام مكانة مرموقة وبارزة في هيكل الدول الحديثة، وأصبحت وسائل الإعلام بما لديها من تأثير في جميع نشاطات الدولة عنصراً أساسياً وحاسماً في التعبير عن الخيارات الداخلية والخارجية للدول والمجتمعات، وهي بذلك تقف على قدم المساواة مع أهم مؤسسات الدولة للمحافظة على مقومات السيادة والاستقلال الوطني هذا في السلم. أما في الحرب فالدور المطلوب أكبر سواء كانت حرباً باردة أم ساخنة.
وبعد هذه المقدمة نود أن نبرز أهم المحاور التي سنتناولها في مقالنا هذا لنلقي الضوء وبتركيز شديد على ما يدور في الساحة الإعلامية من مبارزات بين الكيان الصهيوني والدول الغربية المساندة له من جهة وبين عالمنا العربي والإسلامي من جهة أخرى، وهو الذي لا يساند ولا يشد بعضه بعضاً مخالفاً للحديث الشريف الذي وصف المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاملهم مع بعضهم البعض كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا.
وما كان لهذا الكيان الصهيوني الغاصب أن ينشأ من العدم ويحتل بعض أجزاء من أراضي الدول العربية إلا بعد القناعات الاستعمارية المستمدة من عداء للدين الإسلامي من جهة وعداء لأبناء هذا الدين أينما كانوا من جهة أخرى، فنحن في صراع أديان وطوائف - شئنا أم أبينا- وما الحملات الصليبية المتعاقبة في القرون الماضية إلا أكبر شاهد على ما نقول، وما الحرب بين المشركين والمؤمنين إلا تأكيد على أن هناك داراً للكفار والمنافقين وداراً للمسلمين والمؤمنين الموحدين بالله الواحد القهار.
إن القوى الاستعمارية المساندة للكيان الصهيوني الغاصب ممثلة في الإدارة الأمريكية وبعض الحكومات الغربية وبعض من يوصفون بالشياطين الخرس الموالين للغرب الساكتين عن الحق أو الذين لا يجرؤون في الحديث في وجه الطغاة والجبارين وهذا ما سيؤدي في النهاية إلى أفول نجمهم وصعود نجم أعدائهم بكل أصنافهم.
هذا التحالف بين أصحاب الطموحات الاستعمارية وأصحاب النظرية الصهيونية والمشروع الصهيوني تظهر مقوماته في التوجهات الإعلامية والحرب الإعلامية التي تشنها إسرائيل وحلفاؤها وتدعم التنظيمات الإرهابية لزعزعة الأمن في الدول العربية والإسلامية وهي الفزاعة التي تشهر في وجه من يريد أن يستقل بقراره، ولهذا نجد أن المنطقتين العربية والإسلامية ( في فلسطين والعراق والسودان والصومال وأفغانستان وباكستان على سبيل المثال ) تعيشان حالة من الغليان القومي والديني والعقائدي بسبب سوء المعاملة والإهانات التي يتعرضون لها بشكل منظم من خلال حملات إعلامية لا تقل عن الحملات العسكرية التي تجري في الأماكن السابق ذكرها في هجمة شرسة على الدين الإسلامي والأنظمة العربية والإسلامية، وما حدث مؤخراً في الدانمرك من إساءة واضحة وصريحة من خلال نشر الصحف الدانمركية لصور كاريكاتيرية مسيئة للنبي محمد - صلى الله عليه وسلم-.
وفي نفس إطار الحرب الإعلامية فإننا نحذر من مشروع القنوات الإباحية الناطقة بالعربية والمدعومة من إسرائيل وحلفائها والتي تهدف إلى تدمير عقول الشباب العربي لتنحرف اتجاهات بوصلته للبحث عن المتعة الجنسية وتقبل ثقافة الاستسلام والسير فيها والتخلي عن المقاومة والجهاد باعتبارهما إرهاباً. وهنا يتبادر إلى الذهن السؤال التالي : لماذا لا تقوم مراكز الأبحاث العربية والتي تملك كفاءات وأصحاب خبرات بإعداد دراسة عن الإعلام العربي والتوغل الصهيوني فيه وسبل مقاومته؟
ولماذا لا نفعل كما تفعل مراكز الأبحاث الصهيونية التي تقدم دراسات وتخرج بنتائج تفيد الطرف الإسرائيلي في الصراع ولمصلحة الصهيونية؟ ولماذا لا نتعلم وندرس كيف تحقق أهدافها والتي تجمع وتدرس المعلومات قبل نشرها لمعرفة مدى تأثيرها وردود الفعل من تلقيها؟.
ونحب هنا أن نوجه النقد لكثير من وسائل الإعلام العربية والإسلامية التي تأخذ عن الوكالات الغربية والصهيونية للإعلام من دون تدقيق وفحص لمحتوى الرسالة الإعلامية والهدف منها، كما أنه لا يوجد أي خطأ في أن يعرف المرء عدوه من خلال صحفه ووسائل إعلامه وليست جريمة أن يعرف كيف يفكر، لكن الجريمة أن نأخذ المادة الإعلامية دون دراسة وتدبر في معانيها حتى لا نساهم في تحقيق أهداف العدو من دون أن نعلم كيف يمرر علينا الأراجيف والأقاويل ويصدقها مغفلو العرب.
إن الصحف العربية تعج بالمقالات الصهيونية التي تنشر بدون تحليل أو دراسة أو قراءة متأنية وبشكل علمي، بل هناك تنافس بين الصحف على نشرها كيفما كانت، ولا يوجد انتقادات كافية لما ينشر ويبث في وسائل الإعلام وتفنيدها وإظهار زيفها.
وإلا لماذا هذا التسابق بين وسائل الإعلام العربية على استضافة الصهاينة وإدخالهم كل بيت في الوطن العربي الكبير؟، من الواضح أنه ليس هنالك من يريد توجيه رسالة للتأثير على الرأي العام الإسرائيلي ولكن خدعنا فكان التأثير الإسرائيلي وأصبح فاعلاً ومؤثراً على الشعوب العربية فأصبحنا مستهدفين.
ولماذا لا تفهم على أنها محاولة إسرائيلية رسمية للتأثير على الشارع العربي؟ فإسرائيل هي القوة الأكثر تنظيماً، وذات الأجندة الأكثر وضوحاً، وشارعها أقل تعرضاً للإعلام العربي من تعرض الشارع العربي إلى الرسائل الإعلامية والدعائية الإسرائيلية.
كما أننا لا نرى في القنوات الفضائية العربية أي تشجيع كاف لنشر ثقافة المقاومة والجهاد والتي أصبحت في نظر المشاهد العربي إرهابا يجب محاربته، بل أصبحت الفضائيات بوابة للتطبيع مع الصهاينة من حيث ندري أو لا ندري، فإن كنا لا ندري فتلك مصيبة وإن كنا ندري فالمصيبة أعظم.
وحتى ندلل على ضعفنا وعجز سياستنا الإعلامية وتبني العرب السلام كخيار إستراتيجي ولا تقوم وسائل الإعلام العربية بإجراء مقابلات مع الراغبين في السلام من الجانب الإسرائيلي والمعارضين للحكومات الإسرائيلية المتعاقبة والتي تتبنى الحرب شعاراً لها لتحقيق أطماعها التوسعية.
ونحب أن نؤكد هنا أن السياسة الإعلامية العربية التي تحرك تلك الوسائل هي السبب الرئيسي في دخول الطرف الآخر بيوت العرب الآمنة في الوقت الذي لا يسمح لنا بدخول بيوتهم ولو حتى من خلال وسائل إعلامهم، وعلينا أن نسأل أنفسنا هل هذه الوسائل جزء من معركتنا مع الأعداء أم أنها بوابة لعبورهم اليومي إلى بيوتنا وعقولنا؟.
ومن خلال اطلاعنا على العديد من الدراسات والأبحاث عرفنا أن الدعاية الصهيونية تفهم كيف تخاطب الناس حسب مستوياتهم الاجتماعية والاقتصادية، وحسب توجهاتهم الفكرية والعقائدية، وانتهجت الدعاية الصهيونية أساليب متنوعة لمخاطبة الناس من أجل تحقيق أهدافها.
ولهذا فهي تستثمر شعور المواطن العربي في صياغة أخبارها الانتقائية وتمريرها إلى أذنه ووجدانه، ونجحت إلى مدى كبير (مع الأسف) في توجهها إلى المستمع العربي فكونوا يا عرب على مستوى الحدث ولا تساهموا في تحقيق الأهداف الصهيونية، وإن كنتم غير راغبين في الحرب العسكرية فعلى الأقل خوضوا حرباً إعلامية لنشر قيمكم وتعاليم دينكم الإسلامي لتسود ثقافة المحبة والسلام والتعايش بين بني البشر.