الإسلام دين الرحمة والتكافل والإنسانية أعزنا الله به وخصنا من دون البشر بحمل هذه الرسالة الخاتمة إلى البشرية جمعاء، وفي ذلك يقول {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} ومن المعروف أن تؤدى الأمانة إلى أهلها، ومن أمانة المسؤولية أن نرفع عن اليتيم وطأة الإحساس باليتم ليس في يوم اليتيم فقط الذي تحتفل به الشعوب العربية كل عام، بل على مر الأيام، فالشعور باليتم لا يعرفه إلا من تجرع مرارة هذه الكأس، فإذا كان اليتيم من صنع القدر فمن حسن إسلامنا الإيمان بالقدر خيره وشره، ومد مظلة التكافل لتشمل فئات المجتمع بأسره.
فالأيتام نبض قلوب المجتمع المسلم، ومنبع مشاعر الجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى، يحظون برعاية خاصة في مملكة الإنسانية ويجدون من الدعم والمساندة ما لا يجده أمثالهم في أي بقعة على ظهر الأرض، وذلك ما يميز المملكة من خصوصية، وما حبا أهلها من رقة قلوب، ولين أفئدة وحب للعطاء وميل للعمل الإنساني وفي مقدمتهم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين الأمير سلطان بن عبدالعزيز حفظهما الله، وبقية أبناء المؤسس رحمه الله وأحفاده الذين جبلوا على حب الخير والعمل الإنساني وعلى وجه الخصوص دعم الأيتام.
فليس اليتم نقصاً، بل هو حالة إنسانية تعبر عن الفقد وتستدعي المساندة، وقد ولد الرسول- صلى الله عليه وسلم- يتيم الأب، ثم فقد أمه فكفله جده ثم عمه من بعده وهو خير قادة البشرية، ورعاية الأيتام من الأولويات التي تهتم بها حكومتنا الرشيدة - أيدها الله - وتوفر لهم الإمكانات اللازمة والدعم والمساندة، وتقوم وزارة الشؤون الاجتماعية بدور فاعل تجاه هذه الفئة العزيزة على قلوب الجميع، تؤازرها مؤسسات المجتمع المدني والقطاعات الحكومية والجمعيات الخيرية وفي مقدمتها الجمعية الخيرية لرعاية الأيتام (إنسان) التي يرأسها حبيب الرياض الأمير سلمان بن عبدالعزيز- وفقه الله- بالإضافة إلى إسهامات رجال الأعمال الذين يحرصون على أداء دورهم الاجتماعي تجاه الوطن والمواطن، وكذلك الخيرون من أبناء هذا البلد الذي يستمد عاداته وتقاليده وثقافته من روح الدين الحنيف.
وقد شهدت الأسابيع الماضية تظاهرة كبيرة ومعبرة في مختلف مدن المملكة، وذلك بمناسبة انطلاق فعاليات الاحتفال بيوم اليتيم العربي في جميع المناطق.. وهي لاشك مناسبة خاصة تهدف إلى مساندة فئة غالية على قلوب كل الناس، وقد حث الإسلام على كفالة اليتيم، حيث قال الرسول- صلى الله عليه وسلم- (أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين) وهو يشير بالسبابة والوسطى، وتضمن ذلك الحفل برامج وأنشطة متعددة ومتنوعة تصب في مصلحة اليتيم.. ويحتاج الكثير من أفراد المجتمع إلى التوعية بشأن هذه الفئة الغالية، وتهدف البرامج إلى الترفيه عنهم ودمجهم في الحياة العامة والسعي إلى تواصلهم مع بقية شرائح المجتمع، والتفاعل الإيجابي مع الأوساط المحيطة بهم بشكل كامل. حتى يشعروا بأنهم جزء لا يتجزأ من هذا المجتمع وعزيز عليه، كما أن دعم الأيتام بأي شكل من الأشكال يعد واجباً دينياً وقيمة إنسانية، لذا يحرص المجتمع المسلم على الإسهام في كفالة الأيتام لما لذلك من فضل ومكانة عند الله، وطمع مجاورة للرسول- صلى الله عليه وسلم- في الجنة.. فالأيتام يحتاجون إلى التعويض النفسي لما فقدوه من حنان الأم أو الأب أو الاثنين معاً، وهذا ما جعل ولاة الأمر -حفظهم الله- يحرصون على مساندة الأيتام والاهتمام بهم من خلال دعم وتأسيس الجمعيات التي ترعاهم والدور التي تأويهم، ودعم البرامج والفعاليات التي توفر لهم الراحة النفسية.
ألم تشاهدوا ا لملك عبدالله - حفظه الله - ينحني لتقبيل رأس يتيم وسط تدافع المواطنين للسلام عليه؟ ألم تشاهدوا ولي العهد يحتضن طفلاً صغيراً وكلاهما مبتسم في روعة المشهد ودفء الحنان؟.. ألم تسمعوا كلمة لسمو الأمير نايف بن عبدالعزيز وهو يوجه برعاية أبناء شهداء الواجب وتوفير كل ما يحتاجون إليه؟.. ألم تروا أو تسمعوا الأمير سلمان بن عبدالعزيز يخاطب الخيرين ورجال الأعمال عقب احتفال جمعية (إنسان) وهو يحثهم على رعاية الأيتام، في كلمة ارتجالية تفيض رقة وحناناً فاضت لها مآقي الحاضرين بالدمع.
كل ذلك نابع من حسنا المرهف تجاه هذه الفئة التي أمر الله بإيوائها شغاف الفكر والعقل والقلب، وكرمها رسوله الكريم- صلى الله عليه وسلم- ودعانا أن نحذو حذوه، ونتلمس طريقه حتى نفوز بصحبته في الجنة كما جاء في نص الحديث.
إذاً فدعم الأيتام ومؤاخاتهم ومؤازرتهم ودفع الشعور باليتم عنهم شعور متجذر ومتأصل في وجدان مجتمع مملكة الإنسانية منذ آماد بعيدة.. انتهجه ولاة أمرنا - حفظهم الله - وعلى هداهم تسير غالبية أبناء الشعب السعودي، وبفضل هذا الحب لمن أحبهم الله ورسوله- صلى الله عليه وسلم-، فقد أغدق الله بنعمه الوافرة على هذه البلاد الطيبة، وجعلها موئلاً للخير والرحمة، تقصدها الأفئدة والقلوب من شتى بقاع الدنيا.. وتجد فيها دفء المشاعر وصدق المؤازرة وسخاء العطاء عبر أوعية التكافل المتعددة التي ترفد نهر الإنسانية الذي يتدفق بدفء المشاعر وغزارة العطاء.
حقاً كان الاحتفال بيوم اليتيم العربي لفتة بارعة ووقفة إنسانية شارك فيها كل أبناء الوطن يتقدمهم ولاة الأمر - حفظهم الله - وأمراء المناطق وكافة المسؤولين عبر مشاعر صادقة تجاه اليتيم.. كيف لا.. ويتم هذا العمل في بلد عرف قدر اليتيم وعرف مكانة كافله في الجنة.. فتدافع الناس على مختلف مستوياتهم أملاً في الفوز بتلك المكانة المرموقة.
أدام الله عز هذه البلاد، وحفظ ولاة أمرها الداعين إلى الخير والسباقين إلى العطاء.. وأدام نعمة الأمن والاستقرار والوفرة لمجتمع البذل والعطاء.. إنه سميع مجيب.
alkatbz@hotmail.com