يحقق الإنسان أهدافه في الحياة، ويؤدي دوره في مجتمعه من خلال العمل المنتج، وقد أمر الله بالعمل، بقوله سبحانه وتعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ}، وقدوتنا صلى الله عليه وسلم الذي رعى الغنم، واشتغل بالتجارة، وهو القائل صلى الله عليه وسلم: (ما أكل أحد طعاماً قط، خيراً من أن يأكل من عمل يده)، وأرشد عليه الصلاة والسلام إلى أعلى درجات الأداء وهو الإتقان بقوله: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه).
وعند التأمل في الماضي والحاضر، نجد أن الأمة الإسلامية حملت مشعل الحضارة والتقدم حين طبق أفرادها أوامر دينهم التي تحثهم على العمل وإتقانه، ثم تخلفهم بعد تنازلهم عن بعض المبادئ، ومنها مبدأ العمل الجاد، وركونهم إلى الدعة والكسل، وحمل الراية غيرهم، وتلك الدول التي استلمت راية الحضارة المعاصرة قد اقتنعت بأهمية العمل، ثم اتبعت القناعة بالإنتاج في العمل، وكثيراً ما ينقل إلينا ولع الغربيين واليابانيين بأعمالهم، وسرورهم بتأديتها.
أما الواقع فيظهر أن ثقافة حب العمل في المجتمع عامة لم تترسخ، هذه الثقافة ستنتقل من الراشدين إلى الأجيال، فالصغير يرى قدوته في والده ومجتمعه، وفي إلقاء نظرة متأنية إلى الواقع يُلاحظ وجود ظاهرة إهمال العمل في المجتمع، عبر بعض التصرفات والأقوال:
ففي البيت يرى الصغير والده يخرج متأخراً إلى عمله، وعودته مبكراً. وفي المدرسة يلاحظ الطالب: تأخر المعلمين عن الاصطفاف الصباحي، أو عدم حضورهم، أو تأخرهم عن دخول الحصة، أو الخروج منها قبل قرع الجرس، وعدم الجدية نهاية العام الدراسي، وعدم اتخاذ الجزاءات النظامية للطلاب الذين يتأخرون أو يتغيبون دون عذر، واختلاف التعامل مع الطلاب في المدارس الحكومية عنه في المدارس الخاصة.
وفي الحي ملاحظة مؤذن المسجد أو إمامه يتغيبان، وقد لا ينيبان عنهما من يقوم بأداء مهامها. ومن ذلك ملاحظة الموظفين في وظائفهم، حيث يخلي الموظف الحكومي مكتبه قبل أذان الظهر، ولا يعود إلا بعد حوالي الساعة، وإرجاع الموظف أبناءه من المدرسة إلى البيت في ذلك الوقت، وكثرة إجازات المعلمات بسبب ودون سبب، والمقارنة بين موظفي القطاع الخاص والحكومي، واختلاف المعلم في المدرسة الأهلية أو الموظف في القطاع الخاص، عنه في المدرسة أو الوظيفة الحكومية، وما توصله تلك المقارنة من أن الانضباط ليس عن مبدأ أو قناعة، إنما الإلزام والخوف من الجزاء.
aljndl@hotmail.com