(الموت) قصّة تعبيريّة - تنتهي بموت الحبيبة الّتي لديها حساسيّة من الأشياء الخضْراء - تستبدل الواقع رغم أنّها تنهل منه، لتدلّ في غرابة على فجيعة الإنسان بموت أحلامه، على بساط الخضْرة، وهو معادل موضوعيّ، لكلّ ما يعاني منه الفرْد والمجتمع، من انْكسارات، وخنوع، وشعور بالانْهزاميّة، وإخفاق في تحقيق السَّعادة(1)، ونقف على ذلك من خلال قوله: (وعندما أنهيت مهمتي تفقدها، فلم أجدها، فأخذت أتأمل ما حولي، وإن كنت مهتماً بالبحث عن مكانٍ مناسب للسّيارة.. ووجدته، ولكن قبل أن أغلق الباب قرعت سمعي الأنة المكتومة، ولما سارعت وجدتها ممدّدة، وشعرت بمقدمي، فرسمت ابتسامة على وجهها لكن الألم عاودها، فأخذت تئن. وحملتها بين يدي، واتجهت مسرعاً إلى السّيارة.
- إني أموت سامحيني... (2).
الحدث في هذا المقطع يرمز إلى انْطفاء اللّحظات الجميلة، فيحجم التّعلق تفرُّ من يديه لِتخلفه ألماً لا ينتهي (كنّا بمفردنا...) في عُمْق الاندماج مع الحلم، وذوبان الفوارق (وبينما نحن كذلك إذا قرعت سمعي...) الأنة المكتومة دلالة على أن هذا الوجع لم يكن حديثاً بل يحمل في جوفه ألم السنين، فقد كانت تغالبه، وتهرب منه، لكنّه باغتها، ليعلن الوجع عن نهاية محتّمة.
(قرعت سمعي...) القرع دلالة الإيذاء والتّوجُّع إذ إن ذلك الألم لم يكن ينهش جسد حبيبه إنّما كان يمزق جسده أيضا لأنه إيذان بنهاية الحلم بالنسبة لعالمه، فما رحل من أجله وقذف بحياته عرض الحائط.. يتأمل مشهد الموت، ولا يملك دواء لتضميد جراحه.
(وجدتها ممددة...) يرمز لنهاية الأحلام، واستوائها مع ما حولها إذ لم يعد يميز بينها وبين سواها.
(... شعرت بمقدمي...) ابتسامة يعلوها الشحوب، فتشفق على أحلامها الراحلة.
(فأخذت تئن...) الفعل المضارع يدل على الاستمرار في الأنين، وعدم الانقطاع، كما أنه يدل على التّجدّد، ولكنّه ليس بتجدّد/ الأمل إنما موته وضياعه، وانتزاعاً للجمال، وهتْكاً لستار من الأحلام الميّتة مُسْبقاً.
(وحملتها بين يدي...) لحظة يقظة من سبات الصدمة، لكنها لحظة مشوبة بالألم والأمل، تأمل للحلم، ورسم للحظات التحسر، والخوف، صراع مع الواقع إذ لا واقع يحتمل ما يراه.
- (إني أموت سامحيني) تفوه الحلم (الحبيبة) بهذه العبارة، والتي تعتبر يقظة بالنسبة للقارئ, والذي وصل قمة الشّجن من خلال قصة نجح القاص في حبكها، ورسم شخصياتها، وأحداثها بدفقة شعورية مكثفة، وكأنها لوحة من واقع أليم - ولكن التي أن تعي (الحبيبة) موتها، وتعتذر، وكأن الموت مشهد تمثيلي، فهذا يخالف الواقع، إذ هي التي تنزع روحها من جوفها، فكيف بها تعي وتعتذر؟ ويخيل إلى أن هذا الحلم هو من أقدم على الاعتذار، مهما كان الحب عظيما، فالأعظم منها حسب الذات، وهذه غريزة جبل عليها الإنسان.
والحب، والموت: صنْوان، رغم الاختلاف في الحروف، في عالم الشّقحاء، فكما يحدث الموت، على تخوم الجنّة الخضراء، يموت الحب على ضفاف الحاجة إلى الدفء، ويموت الحب، أو يرتسم الموت، فالحقيقة محكومة بنهاية محتومة، لمخلوقات مازالت تجوب لاختراق الجدران الصّلبة، والموت بحد ذاته رد فعل، في معركة غير متكافئة، بين حالات تعبر عن وجودها وأشواقها، وواقع يتعملق، ويزداد طُغْياناً.
وليس سيئاً أو مأساوياً أن يتساقط الضّعفاء، والمهزومون، لكن السيئ، والمأساوي، أن تتوقف الحركة، والحياة، والبحث عن ابتسامة، أو راية، أو وجه جميل، أو قمر يشع في الظّلام...(3).
(1) محسن يوسف، القصّة العربيّة القصيرة (صوت في القصّة السُّعوديّة) عالم محمد المنصور الشقحاء القصصيّ، (ط:د)، مُنْشورات دار مجلة الثقافة، دمشق، (ت:د)، ص50.
(2) محمّد الشّقحاء، انتظار الرّحلة الملغاة، ص104.
(3) محسن يوسف، القصة العربية القصيرة (صوت في القصة السعوديّة) عالم محمد منصور الشقحاء القصصي، ص50.
أسماء الأحمدي -المدينة المنورة
Happy/asmaa@hotmail.com