Al Jazirah NewsPaper Tuesday  13/05/2008 G Issue 13011
الثلاثاء 08 جمادى الأول 1429   العدد  13011

رؤية نقدية
إبحار في (سدرة القلب) لأحمد الناصر الأحمد

 

لا شك بأن قراءتي لمثل هذا النص الباذخ.. قد تظلمه.. ولا أشكر عليها.. لأنني لا أمتلك أدوات تؤهلني لمثل هذه القراءة ولمثل هذا الشاعر بالذات (أحمد الناصر الأحمد).

سدرة القلب

أجاد شاعرنا كثيراً في اختيار العنوان وقلة هم من يجعلونك تقرأ القصيدة من عنوانها.. وقلة هم من يحسنون الاستهلال ويتمكنون من المطلع.. ويستدرجونك منذ أول بيت بالقصيدة ليحفزوك على الانتهاء منها لتعيد قراءتها من جديد.. يقول شاعرنا في البيت الأول.

الجمر صمتي واللهب بعض بوحي

والشاعر المسكون بالوعي مصباح

تطويع لا يستغرب من شاعر متمكن لصورة الجمرة واللهب.. صورها شاعرنا بدقة في شطر واحد بيد أنني عجزت عن كتاباتها في جملة مبعثرة!.. وهو يستبعد الرماد.. وفي أسوأ حالاته يكتفي بالجمر.. هكذا هي الروح المتقدة دائماً لا تخبو ولا تنطفي.

أما العطف في الشطر الثاني فلا يقل بلاغة عن الشطر الأول.. إذا ما علمنا بعد قراءة متأنية بأن الجمر واللهب هما وقود المصباح.. لذلك يحمله الشاعر في

حله وترحاله.. كناية عن الوعي..

يا سدرة في داخل القلب فوحي

هدي جدار الصمت يكفيك ما راح

يا لهذا الجدار الذي لا تدكه المعاول ولا يتهاون أمام أي قوة.. ولكن ما أن يجد في القلب ما يدعوه لذلك فإنه يرضخ.. يرضخ لا لأن (الكبت يولد الانفجار) ولكن لأن الانفجار قد آن أوانه و(الشاعر المسكون بالوعي) يعي تماماً متى يطلق الكلام ومتى يحجم عنه.

كفى.. قالها بعدما أيقن تماماً بأنه سكت بما فيه الكفاية.

لو طال دربي ما يقصر طموحي

الله خلق في هقوتي عدة أرواح

أعتقد بأن هذا هو بيت القصيد.. وفي كل قصيدة أقف عند بيت من أبياتها لأردد (كفو) أقول بأن هذا البيت هو الذي شيدت القصيدة من أجله، جرت العادة بأن النفس البشرية عندما تفشل في الوصول إلى ما تطمح إليه فإنها تعود أدراجها خشيت المرور بما تجرعت مراراته من قبل.. (الله خلق في هقوتي عدة أرواح) ترى هل تموت تلك الأرواح لتبعث غيرها في تجربة جديدة.. أم أن الطموح هنا يخوض التجربة ذاتها مع كل روح حتى يصل إلى مبتغاه. في كلتا الحالتين هذا البيت محفز للمضي قدماً للأمام ومضاد للنكوص.

أحمل سلاحي ما بعد بعت روحي

في هالزمن ما قيه عاقل بلا سلاح

بيت مطلق.. يحتمل التأويل في نفس المتلقي كيفما شاء..

أنا استشعرت من خلاله بأن هذا السلاح هو الحذر بعد أن توقفت عند كلمة (عاقل) في الشطر الثاني طويلاً.

أكبر عذاربي براءة وضوحي

وأصعب عيوبي إني إنسان لماح

بيت يتجاوزه فقط من يستمرئ الكذب، أجاد الشاعر كثيراً هنا لأنه يعلم جيداً بأن الوضوح يسبب المتاعب له ولمن حوله، وجدت هنا.. كما أن بين العقل والجنون والصراحة والوقاحة خيط رفيع جداً..

فإنه بين الوضوح البريء والوضوح الذي ينطوي على المكر خيط كذلك.

لا يستطيع من لا يمتلك حس الشاعر نفسه أن يفهم هذا الوضوح كما ينبغي، لذلك ربما عده الشاعر أحد عذاريبه أما أصعب عيوبه فهي نباهته، والذكاء نقمة يتمناها الأغبياء. (اللماح) شخص غير مريح في نظر من يمارسون زيفهم على من لا يكتشف أمرهم فيأتي هذا المتطفل وفي غمضة عين يسقط القناعة، نعم يا أبا عادل أوافقك تماماً.. هو عيب وأي عيب.. ومع ذلك يحق لك أن تفخر به. فهو فخر.

لا جيت أفتش في ثنايا جروحي

كني أحس بشي مثل الأمل طاح

ولأن الجروح تتفاوت حسب أهميتها، ولأن ذاكرة الجرح قوية جداً فإن الجسد قد شيد بنيان ثناياه لتلك الجروح، كل ما عليك هو أن تبحث ولن تعدم جرحاً تحمله ثناياك، وكأني بالشاعر هنا يحمل جروحه بكلتا يديه وبحذر شديد. وهو يبحث عن الجرح الأكبر الذي دفعه ربما لكتابة هذا الوجع - القصيدة.

ولا شيء أثقل في ميزان الجروح من جرح (فقدان الأمل) لأنه باختصار شديد يعني الضياع ولأنه باختصار أشد جرح لا يبرأ. لا يهدأ بالأعذار ولا يشفى بالوعود.

الله يا زيف الزمان الشحوحي

اللي مزج لون الحقايق بالأشباح

توقفت كثيراً هنا لأنني أفقد أعصابي عندما أجد كلمة (شح) ما أشح القلب عندما يخطئ تصويب الاختيار وما أشح العقل عندما يجازف في اختيار رفقة غير صالحة.. وما أشح مشاعرنا عندما تنهمر على من لا يستحق. الشح.. الشح. قد يكون العطاء في باطنه والشح يكمن في أنفسنا التي ذهبت حسرات وهي تتوسل على (تجويف) اعتقدت يوماً بأنه (قلب ينبض).. امتزجت الحقائق بالأشباح لانعدام الصدق. امتزجت الحقائق بالأشباح لاندثار الوفاء.. العطاء.. الإيثار.. العهد.

شعور مرير وغربة روح تتخبط لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء.

بقولها في صدق والناس توحي

معقول به شاعر بها لوقت مرتاح

ولهم آذان لا يسمعون بها، يا أبا عادل (الشاعر.. الشاعر) هو فقط من لا يهدأ ولا تقر له عين.. وكم من شاعر بلا شعور.. كمستشرق يمجد الإسلام ولا يدخل فيه.

الشاعر الحقيقي لا يرتاح حتى يكتب ما يمليه عيله ضميره وما يجده في ذاته حقا بلا زيف ولا تدليس.

وكما أجاد شاعرنا في بيت البداية أجاد في بيت الختام.

حسناً بقي أن أقول بأنني بحثت عن الشعر فوجدت (سدرة القلب) قرأتها كثيراً وفي كل قراءة أبحث عن كلمة أقحمت قسراً فلا أجد. وأبحث عن لفظ نافر فلا أجد.

كتبت هذه القصيدة بعقل شاعر خبير لا يخدم القافية على حساب المعنى ولا يترك ثغرة واحدة لنفوذ المتسلقين.

هيفاء التميمية – الرياض


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد