على هامش ندوة (شاهد وشهيد) التي خصصت لذكرى الملك الراحل فيصل بن عبدالعزيز -طيب الله ثراه- والتي نظمتها مؤخراً دارة الملك عبدالعزيز برعاية صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض -حفظه الله- أقول على هامش تلك الندوة عُرض فيلم سينمائي عن الملك -الاستثنائي- الراحل الفيصل العظيم، وقد قيل إن الفيلم قد أبكى بعض المشاهدين من الجمهور الذين حضروا العرض، وبرأيي المتواضع أن مبعث البكاء هو الشعور الوطني بالزهو والقوة (وكاريزمية) القائد السياسي الذي وقف كالطود الشامخ في وجه الأعاصير السياسية التي زوبعت بعصره المتوتر بالحروب والأحداث، واستخدم سلاحاً ضد القوى العظمى لم يكن بالحسبان بل إنه لوى ذراع الغرب الحديدي الصلب حينما هدد بإغلاق شريان النفط إن لم يغير الغرب سياسته ضد أمته العربية وكان ذلك في عام 1973 عقيب حرب أكتوبر المجيدة التي استعاد فيها الجندي العربي كرامته المسلوبة بفعل الخيانات والمساومات في حرب النكسة 1967م.
ولعلي في هذا الصدد أتذكر كما يتذكر أبناء جيلي ذلك الحوار التاريخي بين الفيصل العظيم وبين ثعلب السياسة الأمريكية الداهية هنري كيسنجر الذي جاء بطائرته ليفاوض الفيصل بشأن إعادة تدفق النفط. ولما لم يفلح رغم مهارته المراوغة في المحادثات وقبل أن يخرج من مكتب الفيصل قال له ممازحاً: يا جلالة الملك دع الغرب وشأنه الآن فهلا سمحت لي أنا شخصياً أن أصب ليترين من الوقود في طائرتي فأنا محتاج إليهما الآن وهنا نظر إليه الفيصل بنظرته الثاقبة وقال له وأنا أيضاً يا معالي الوزير بحاجة إلى ركعتين في القدس فهل توفرهما بلادك لي الآن؟!
بالطبع كان هذا نمطاً من سلوك الفيصل الدبلوماسي أما النمط (الأخلاقي - السياسي) فتجسده هذه القصة التي رواها مؤخراً عنه شبله صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل إذ قال إن الملك الراحل فيصل -رحمه الله- كان يسمع خطبة لجمال عبدالناصر يهاجمه فيها عبر المذياع فقالت إحدى بنات الفيصل لعنه الله، فقال الملك لا تلعنيه ولكن ادعي له بالهداية فهو زعيم من زعماء المسلمين إذا صلح صلح معه أناس كثير.
وهذه القصة لوحدها تجسد أخلاق الفرسان بكل ما تحمله من أبعاد ومن هنا ألا يحق لنا أن نفتخر بالفيصل العظيم بل ألا يحق للمشاهدين أن يبكوا لمشاهد الفيلم الذي يتحدث عن هذا القائد التاريخي الكبير، وبالمناسبة وما دام الشيء بالشيء يذكر، ألا يحق لنا التساؤل الآن ألم يحن الوقت لكي نشاهد فيلماً تاريخياً ضخماً يتحدث عن باني هذا الكيان الوطني العظيم الملك الراحل العظيم عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل الذي أرسى العدالة وألغى الضلالة ووحد هذه البلاد تحت راية الوحدة والتوحيد؟ ثم ألا يحق للأجيال التي تنعم الآن بثمار نضاله العظيم أن تعرف من خلال هذا الفيلم كم كابد أجدادهم وآباؤهم في سبيل تحقيق هذه الوحدة المباركة تحت بيرق الباني والموحد والبطل التاريخي الفريد عبدالعزيز العظيم طيب الله ثراه؟ ذلك هو السؤال.