كم نحن بحاجة لأن يدون رواد العمل الإداري -الذين أسهموا في منظومة التطور في هذا الوطن- تجاربهم، وأن يطرحوها أمام الأجيال الإدارية الجديدة والحالية معا.
إن تجارب هؤلاء أجدى نفعا من تلك النظريات الإدارية التي يؤسسها ويعلمها ويقول بها (منظرون) لم يعيشوا معاناة العمل ويعرفوا معاناته، أو لم يجربوا أسلوب التعامل مع الناس وتباين توجهاتهم ورغباتهم، فضلا عن أنهم لم يواجهوا المشكلات في العمل لأنهم لم يمارسوه أصلا حتى يتعاملوا مع هذه المشكلات ويوجدوا الحلول العملية لها.
***
** لذا كم سعدت وأنا أقرأ الحلقات التي قدمتها صحيفة (عكاظ) عن تجربة معالي الأستاذ عبدالله العلي النعيم الإدارية الناجحة وبخاصة خلال توليه أمانة مدينة الرياض، والتي خرج منها -ما شاء الله- بسمعة مضيئة رغم أن العمل الذي كان مسؤولا عنه يمس خدمات الناس ويتعامل فيه المسؤول مع الإنسان من عالم المهد إلى حد اللحد، ونادرا ما يخرج منه المسؤول دون معلقات هجاء إن حقا وإن كذبا.
***
** لقد توقفت كثيرا عند تلك الواقعة التي رواها معالي أ. عبدالله عند توليه الأمانة، حيث كانت وقتها أزمة في النظافة، وكم هي موفقة معالجة وجرأة وأسلوب أ. النعيم مع هذه المشكلة.. ودعوني أجعل الأستاذ عبدالله يروي هذه القصة بلسانه: (جئت إلى الأمانة وكان عدد العاملين في النظافة قليلا جدا وكانت هناك فكرة لإرساء عقد النظافة على شركة عالمية وكانت المقاولة بالفعل تمت وإذا حدث ذلك فإن الشركة الجديدة تحتاج إلى وقت وإجراءات، أي أن الشركة الجديدة تحتاج إلى سنة كاملة على الأقل من أجل بناء المرافق وتوريد المعدات.. فماذا نفعل خلال هذه السنة؟ لقد شجعت العمال الموجودين في قطاع النظافة وكان مسؤول النظافة موظفا من موظفي الأمانة وهو نفسه مسؤول عن الحدائق وزراعة الشوارع وكان قبله شخص اسمه صالح الخليفة وأبعد عن عمله لسبب لا أعلمه ولكوني أعرف صالح الخليفة معرفة جيدة حيث كان مساعد مدير المعهد العلمي بعنيزة وأنا كنت مراقبا في المعهد في ذلك الوقت، وكان في إجازة طويلة يعقبها تقديم استقالته فطلبته وقلت له أريد أن تعود إلى النظافة، وأذكر أن الأخ محمد البابطين مدير عام الشؤون المالية والإدارية بالأمانة قال لي هل صحيح أنك ستعيد صالح الخليفة؟ قلت نعم قال لي: لكن هذا فشل عندما كان مسؤولا عن هذا القطاع قلت: وهل الذي بعده أفضل منه؟ قال: لا أسوأ منه، فقلت إذن لنرجع للذي أقل سوءا.. طبعا هذه أثرت في صالح الخليفة فاندفع بطاقة هائلة لا حد لها.. وأثبت أن العيب ليس فيه وإنما العيب في عدم مساندته، وأنا زدت رواتب عمال النظافة من أول يوم على مسؤوليتي وقال لي الأخ محمد بن شبيب -رحمه الله- وكان مدير شؤون الموظفين: أنا لا أستطيع أن أزيد رواتب العمال بسبب النظام قلت له: ما الذي تريده مني لتحمي نفسك؟ قال: تكتب على مسؤوليتك فقلت: اكتب العبارة التي تريدها وأنا أوقع عليها واحتفظ بها في بيتك).
***
** بهذا الأسلوب وبهذه الثقة وبهذه الجرأة الإدارية الحكومية حل النعيم مشكلة النظافة، وأنجز الكثير من المشروعات ببذل القيادة، ودعم ووقوف سمو الأمير سلمان بن عبدالعزيز كما يقول ويردد ذلك معالي أ. النعيم عند كل حديث عن تجربته في أمانة مدينة الرياض.
***
** لقد ظللت أتأمل هذه القصة طويلا بعد قراءتها: ورأيت كيف تثمر الجرأة نجاحا ما دام الإنسان (نظيفا) وكيف -من جانب آخر- تعطي الثقة أعظم مردود مثلما حصل لمدير النظافة الذي كان أبعد عن إدارة النظافة وأعاده أ. النعيم إليها، وقد علمت أنه توفي -رحمه الله-، كما أفدت من مضامين هذه القصة أن من الحكمة عدم التأجيل أو التردد أو التلكؤ في الأمور التي لا تقبل ذلك، فلو تأخر النعيم في مسألة النظافة أو تلكأ أو لم يكن جريئا في معالجتها لاستمرت المشكلة أمدا طويلا حتى بعد استلام الشركة الجديدة.
أما قبل
أيها الموظفون
دونكم هذه القصة الواقعية فأفيدوا منها -رقى الله مراتبكم في الدنيا وبالأخرى- وذلك عندما تواجهون في أعمالكم أية مشكلات تحتاج إلى حسم!
***
فاكس: 014565576
* Hamad.alkadi@hotmail.com