عرضت إحدى القنوات الوثائقية فلما عن حياة القرود. كيف تتشكل القوى وكيف يقفز أحدهم للزعامة وكيف يدير أمر شعبه. يقول هذه الفلم ببساطة إن الزعامة للأقوى ولكن استمرارها يتطلب استمرار القوة والقدرة على القيادة أيضا. إخضاع الآخرين ممكن ولكن ضمان أخضاعهم لا يستمر دون تدبر. يأتي هذه الفلم لينسف على الأقل من الناحية النظرية فكرة الايدلوجيا. ففي النهاية لا يصل إلى القيادة إلا الأقوياء. يمنحك هذا الفلم فرصة مشاهدة الصراع السياسي دون تمويه أو أكاذيب وتلفيقات وبرامج انتخابية. شعار الصراع بين الزعامات المرشحة هو (أنا الأقوى) فالقرود الأخرى لم تذعن لأنها اقتنعت بالبرنامج الانتخابي لهذا القرد أو ذاك ولكن لأن هذا القرد أخذهم بشوكته. على القرد الذي يريد الزعامة أن يصرع الزعيم. هكذا بكل بساطة. ولأن الصراع قائم على القوة لا يستطيع الزعيم الاستمرار إلى الأبد فما أن تضعف قواه وتتراجع حتى ينقض عليه القرد الأقوى المتربص ويقتله ويحل محله. لا ينتهي الزعيم بالتنازل أو الانسحاب من الحياة السياسية بهدوء. الشيء الطريف أن شعبه لا يهب للدفاع عنه مهما كانت إنجازاته.
كل هذا نعرفه وربما شاهدناه كثيرا. هذه ليست قصتي التي أردت أن أقصها عليكم. شيء غريب لفت نظري.
انتقل قرد من مجموعته إلى مجموعة أخرى. راح يتقرب من زوجة الزعيم السابق الذي تمت تصفيته. في أحد المرات أقترب هذا القرد من مائدة الزعيم ليأكل معه. من عادة القرود كما يبدو أن يأكل الزعيم أولا ثم تأتي البقية على الباقي من الطعام. قد يكون الجوع أفقد القرد الغريب قدرته على التعقل أو أنه لا يعرف القوانين. اقترب من الطعام وفجأة انقض عليه الزعيم بوحشية لا يمكن تخيلها. هرب القرد على الفور إلى زوجة الزعيم السابق واختطف طفلها الصغير وضمه إلى صدره. فجأة تراجع الزعيم عن الهجوم ولكنه ازداد توترا وظهرت على وجهه كل أشكال العدوانية. أخذ يحوم حول القرد ينتظر منه أن يترك الطفل. لا يمكن الهجوم والطفل بينهما. يبدو أن قوانين الطبيعة متشابهة في كل مكان. القوة لابد أن يصاحبها النبل والرفعة والأخلاق. لا يحق لك أن تملك القوة إذا كنت تستخدمها ضد الضعفاء وخاصة الأطفال. بقية القرود تراقب. يبدو أن هناك قانونا في داخل الكائن وليس الإنسان فقط يحمى الأطفال ويحمي الحياة. علما أن هذا الطفل هو ابن الزعيم السابق الذي قتله هذا الزعيم واحتل مكانه. انتظر الزعيم الوقت الكافي حتى تخلى القرد الغريب عن الطفل ثم انقض عليه وأدبه أشد أنواع التأديب. في ذلك الوقت الذي كان يعرض فيه هذا الفلم الوثائقي عن أخلاقية الصراع عند الحيوان شاهدنا على شبكات الأخبار الطائرات الإسرائيلية وهي تنقض وتمزق أربعة أطفال وأمهم. لم يظهر من الإسرائيليين من يعتذر بل أعلن وزير داخليتهم الاستمرار في هذا. إنها الأخلاق اليهودية بامتياز.
فاكس 4702164
Yara.bakeet@gmail.com