Al Jazirah NewsPaper Friday  09/05/2008 G Issue 13007
الجمعة 04 جمادى الأول 1429   العدد  13007
إصلاح المنحرفين وتطبيقاته العملية
مندل عبدالله القباع

يقول سعادة اللواء مدير عام السجون بمناسبة انعقاد ندوة الإصلاح والتأهيل الثانية: إن المديرية العامة للسجون تعتمد في مسيرتها الإصلاحية على التوجهات والمبادئ والمنهجية العلمية بغية الارتقاء بالبرامج الإصلاحية والتأهيلية بالاستعانة بنتائج البحوث والدراسات النفس اجتماعية والتربوية والتهذيبية التي تجريها المراكز العلمية في وطننا وفي بلدان عالمنا المعاصر، وفي حدود ما يتوافق مع القوى والعوامل الثقافية لمجتمعنا.

إن هذه المسيرة الإصلاحية العلمية ترتكز على محورين أساسيين: أحدهما: التحول في النظرة إلى السجن من كونه محبساً عقابياً سالباً للحرية إلى أن يصبح مركزاً إصلاحياً تأهيلياً علاجياً تقويمياً.

وهذه النظرة تتوافق مع حركة الدفاع الاجتماعي ونظريات علم الإجرام التي تعتبر المنحرف إنساناً مريضاً يتوجب علاجه ولا يستوجب عقابه مجرداً.

وهذه النظرة تستهدف الانتقال بالمنحرف من دائرة السلوك غير المرغوب إلى دائرة السلوك المرغوب اعتماداً على عمليتي الإطفاء والتعزيز، إطفاء الاستجابات اللاسوية وتعزيز المسلكيات السوية. وهذا ما تقول به النظرية السلوكية في علم النفس التربوي.

ثاني محوري المسيرة الإصلاحية العلمية: هو التناول الإنساني والتفريد في العطاء، وهذا يعني أن المنحرف يمكن وراء ارتكابه للذنب عوامل مسببة وأخرى مهيئة وعند وضع مخطط العلاج يلزم التعرف عليها من منطلق أن الإنسان وليد بيئته حيث يستدمج في داخله ثقافة المجتمع الذي يعيش فيه والثقافة الفرعية لجماعته وانتماءاتها السلوكية.

أما تفريد العطاء فيعني أن كل فرد يختلف عن الآخر حسب النوع والجنس والسمات والقدرات وأساليب التنشئة وعواطف الأصل تجاهه والبيئة المحيطة ودرجة معرفته وعلمه وخبرته ومهاراته ونمط الحياة ومطالب المرحلة العمرية ومستوى الإشباع وحسب هذا التمايز والاختلاف تختلف وسيلة العلاج وأساليب الوقاية، فإذا أحسنا التشخيص أجدنا في وضع وصفة علاجية مناسبة على طريق عملية الإصلاح والتأهيل وهي الهدف من إقامة المؤسسات الإصلاحية المتمثل في الإصلاح السلوكي والتأهيل النفس اجتماعي وهي كلها برامج داعمة للعمل على وقاية المجتمع من الجريمة أو الانحراف أو العود إليها بما يهدد البناء الاجتماعي ويوتر المجتمع الإنساني.

فإن كان ذلك كذلك فإن ما بلغته المؤسسات الإصلاحية في مجتمعنا من شأن كبير وإنجاز عظيم يحسب لها في مجال تطوير برامج تأهيل وإصلاح المذنبين المحكوم عليهم بعقوبات سجونية يجعلنا نشيد بالخطوات العلمية والمنهجية في تخطيط ورسم سياسات التأهيل والخدمات الرعائية والتوجيهية والتقويمية لكل من السجين وأسرته وحسبما تشير به قاعدة التفريد وهذا لم يأت من فراغ إنما جاء بناء على توجيه ومتابعة رجل الأمن الأول سمو الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية الذي يولي كل اهتمام للسجين وأسرته.

وتستهدف هذه المخططات والبرامج بث الثقة بالنفس والاعتماد على الذات وتحمل المسئولية الفردية والأسرية والمجتمعية، وتعديل السلوك بما يتوافق مع ثقافتنا الإسلامية الهادية لسواء السبيل، وتنمية الهوية الثقافية والوطنية والمساهمة الإيجابية الفاعلة في تحمل عبء التنمية المجتمعية كي يعود إلى تيار المجتمع مواطناً صالحاً منتجاً سليما معافاً فإذا كان هذا هو دور المؤسسة الإصلاحية فما هو دور المجتمع ازاء المفرج عنه والعائد إليه للانخراط في تياره والاستجابة لمتطلباته؟

إن الواجب الأول على المجتمع حسن استقباله والتعامل معه بشفافية والعمل على دمجه في بيئته وإعادة دوره الرئيسي في بيئته الاجتماعية واكسابه دوراً وظيفياً حسب خبرته التي أكتسبها سواء قبل دخوله المؤسسة الإصلاحية أو من خلال تأهيله المهني بها وإشعاره بالثقة فيه وفي عمله وفي صدق استجابته للصلاح وإرادته في الاستقامة ودون استثارة الماضي والتنقيب فيه.

إن تقبل الأسرة له وإعادته لمكانته الاجتماعية وأداء دوره الشرعي وعدم المساس بمشاعره فلا تلفظه الأسرة ولا يتجنبه المجتمع ولا ينعت أو يوصم بالمجرم أو المنحرف أو أنه ربيب السجون وعدم إشعاره بالاضطهاد حتى لا يقع في موانع التوافق الاجتماعي والنفسي حيث إن مردود ذلك النكوص وسوء التوافق مع الذات والآخر وتباعد مسافة التواصل السوي بينه وبين المجتمع ككل، وتباعد مماثل بينه وبين قيم المجتمع الأخلاقية والثقافية، ومن ثم فالاستجابة لمبررات العود إلى طريق الانحراف ودواعي العودة إلى السجن وجماعة السجن بما لها من ثقافة خاصة ذات أثر بليغ في علاقات القوى داخل بنائه الاجتماعي وبما لها من أثر دال على مستوى التفاعل والانحياز لجماعة السجن والتوافق معهم والتجاوب مع مسلكياتهم والخضوع لاتجاهاتهم.

وفي نهاية المقال أود أن أتساءل هل صدمة الإفراج لها علاقة بالمتغيرات المسهمة في سلوك القبول أو الرفض المجتمعي؟ وهل لها أثر في تكون مفهوم للذات ومبررات الانتكاس؟ وهل لها أثر في طبيعة سلوك الفرد حيال الآخرين سواء داخل السجن أو خارجه؟

ونريد من المختصين الإجابة وكيف نواجه صدمة الإفراج؟

اللهم أصلح شبابنا ودلهم على الخير وأرزقهم البطانة الصالحة يارب العالمين ليساهموا في بناء هذا المجتمع المعطاء.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد