مساء يوم الثلاثاء الساعة السادسة كنت في عزاء النبيل محمد العبدالله البطحي، ووجدت في نفسي عزم الكتابة ليس تخليداً لذكراه (رحمه الله)، بل إمعاناً في تعميم نموذجه الوطني.
محمد ليس شخصية كبيرة جداً كي يعرف بها القاصي والداني؛ فهو نائب رئيس شركة سابك للموارد البشرية، وقبلها كان مديراً لمكاتب الشركة بالولايات المتحدة الأمريكية، ولكنه شخصية أكبر من ذلك بكثير عندي، لأنه مَلَك ثوابت الدين؛ فتجده سلفي الغيرة على التوحيد كعادة أهلنا بالمملكة العربية السعودية، منفتح الذهن والتفكير باعتدال، واسع الاطلاع والثقافة بالرغم من أنه يصنف أحد المحترفين الكبار في إدارة الأعمال التي من مقتضياتها التخصص، وهو مناقض للاطلاع الواسع.
كل ذلك معقول، ولكن ما هو عزيز أن محمد موغل في الوطنية دون تزلف، وهو دافعي للكتابة، فكم تمنيت دائماً نماذج قيادية تملك ذلك الانتماء الواعي والإيجابي لولاة الأمر.
أي إن كنت موالياً ومحباً لهذا التراب الخاص بحدوده الشرعية والتاريخية فمعنى ذلك أنك طاقة دفاقة للإنجاز والبذل والعطاء دون جعجعة عالية.
محمد، صنيعة ذلك الإيمان بالله ثم المليك والوطن، يدافع عن مصالح شركته دولياً ومحلياً، محب للناس كافة، عاف، الحوار معه ممتع عن المستقبل، يتكلم لك عن سابك كأنما هي قصة الحياة، مُصْغٍ وودود، وهما صفتا العاملين.
محمد كارزمي مهيب، ينقل لك دفء التأثير حتى إبان مرضه، تزوره لتسلية فتستحي من ثباته ووقاره.. إنها الكارزما.. أي الثقة بقضاء الله وقدره.. إن الدنيا دار ممر لا دار مقر؛ ولذا لا يوجد داع داهم للنحيب والعويل كأنما الحياة فانية.
الحياة مستمرة، ولكنها بشكل آخر، وسينعم بها الصالحون الخيرون.. وسيبقى الموت لحظة انتهاء حياة وبداية حياة جديدة، وكلها بيد رب غفور رحيم.. يمنح الحياة الجديدة بإذن الله لمن لا يريد علواً ولا فساداً..
محمد العبدالله البطحي.. نموذج القيادة التي تترك وراءها أثراً.. ولن ينساه أهله ومحبوه، وسيبقى نبراساً مضيئاً فقط لمن أحب وبذل من أجل الله ثم الوطن.