Al Jazirah NewsPaper Friday  09/05/2008 G Issue 13007
الجمعة 04 جمادى الأول 1429   العدد  13007
أمي.. أبي.. إني أعتذر!!
د.سعد بن محمد الفياض

أفتتح هذا المقال برسالة فتاة تصف نفسها بالمحطمة تقول: (كان والداي دائمي الانتقاد لي، وإذا ما حاولت التحدث إليهما؛ عن الأشياء التي نختلف بخصوصها؛ كانت والدتي تترك كل الحديث لوالدي، وكان والدي يتحدث في فقرات محكمة التركيب، متصلة المفردات، يجعل من المستحيل علي أن أقاطعه؛ وأن أبدي رأيي، أو أن أقول له أي شيء، وإذا قال لي مثلاً: (هناك ثلاث نقاط أود توضيحها لك) كان معنى هذا أنه علي أن أنتظر حتى النقطة الثالثة وعندها أكون قد نسيت ما كنت أنوي الاعتراض عليه؛ أو مناقشته في النقطة الأولى أو الثانية، وعندما يتوقف عن حديثه وأبدي رأي فيه؛ فإنه يستأنف حواره من النقطة التي توقف فيها كأن شيئاً لم يكن؛ وكأني لم أتحدث، وقد كان هذا يعطيني الانطباع بأنه لم يكن يستمع إلى ما كنت أقول مطلقاً...! وهذا ما كان يشعرني بالإحباط بل واحتقار ذاتي....!!

(أمي): إني أحبك كثيراً وأقدر كل ما قدمتيه؛ وما بذلتيه من أجلي.. وأيضاً أحب (أبي) وأقدر جهده وما يعانيه من تعب وكد من أجل راحتي ولكن (أبي أمي) أريد منكما أعظم من ذلك أريد منكما (الشعور بي) و(الإحساس بمشاعري) و(تقدير مكانتي) و(الاهتمام بشخصيتي)، أريد التواصل معكما؛ تواصلاً متسماً بالود والرحمة والحوار؛ لأن ذلك التواصل الذي يتسم بالصرامة والجمود، وفراغ المشاعر، ويفتقر لكل معاني الود، والمحبة والاهتمام؛ نعم لا أريد (ذلك الوجه الآخر لوالدي!!) والذي دائماً ما يصحبه التذمر والشكوى، والنقد والتجريح والأمر والنهي. (أمي): لقد كبرت وأصبحت امرأة! ولكن تعاملكما معي لم يكبر حتى الآن!. (أمي): رغم ما هيئتم لي من مأكل ومشرب فأنا عطشى! بل أكاد أموت من الضمأ! نعم أنا (عطشى لحبكم وضمأى لعطفكم)، نعم لقد وفرتم لي المسكن المريح الآمن؛ ولكن مع هذا فأنا خائفة غير مستقرة! أنشد الأمن وأطلب الاستقرار، ليس في ذلك القصر الذي وفرتم فيه كل شيء!! ولكن أريد الأمن والاستقرار في سويداء قلبيكما العظيم، أناشدكما ألا تتركاني وحيدة حبيسة (الحرمان العاطفي) جسداً بلا روح، نعم أنتما معي ولكن أمامي فقط صورة اللحم والدم! خالية المشاعر مفتقرة للحنان. (أمي أبي): معذرة لهذه الجرأة! لأني لم أعد أحتمل، معذرة لهذه الصراحة المؤلمة! لأني لم أعد أطيق تلك المعاناة. إنني أشعر في داخلي ببركان يكاد ينفجر في أي لحظة.. والتي ربما تكون عاقبتها غير حميدة لي ولكما ولأسرتي!! ألتفت يمنة فلا أجد إلا القنوات الفضائية، وألتفت يسرة فلا أجد إلا الكمبيوتر والإنترنت وجهاز الهاتف وما أدراك ما الهاتف؟!!.

(أمي أبي): معذرة لهذا الأسلوب الذي أخاطبكما به! ولكن لابد من ذلك أنا لا أريد مالاً أو جاهاً، ولا قصراً أو سيارة؛ كلُ الذي أريده منكما مطلب واحد فقط لا يكلفكما شيئاً؛ أريد أن تمنحاني ثقتكما بي وبشخصيتي؛ أريد الشعور بالحب والرضا من قبلكما؛ أريد أن تعاملانني بعدل ومساواة مع بقية إخواني وأخواتي وإن كنت أقل منهم حلاوة وجمالاً!!، امنحاني الثقة بأعمالي، والحرية في اختياري، ثم بعد ذلك لا مانع من تقويمي وتوجيهي من خلال لغة الحوار السهلة المفهومة (أبي أمي): أشعراني بالعطف والحنان، والرحمة والحب من خلال تعاملكما معي ولا تظطراني أن أبحث عنها بطريقتي الخاصة!! أتمنى وأرجو أن يكون التعامل معي تعاملاً راقياً والتوجيه لي توجيهاً محترماً، تقدر فيه أحاسيسي المرهفة، ومشاعري الرقيقة... أرجوكما ثم أرجوكما لا تجعلاني أبحث عن الحنان الذي حُرمت منه وأفتش عن العاطفة التي افتقدها) ا.هـ

هذه خواطر ومشاعر، وشجون فتاة، أسطرها لكم؛ (مع تحفظي على بعضها) والتي تحكي بصدق معاناة بعض فتياتنا، وما يشعرن به من جفوة وفراغ داخلي في بيوتهن نتيجة لسوء المعاملة، وخطأ التربية؛ القائمة على القسوة والشدة؛ وعدم التقدير والاحترام؛ لذا يجب علينا جميعاً آباء وأمهات حتى لا نخسر بناتنا بطريقة تعاملنا معهن التعامل الخاطئ أن نكون هينين لينين؛ وأن تسود بيننا الرحمة والرفق، وأن نملأ قلوبهن حباً ومودة، ونشبع فراغهن العاطفي بمزيد من الاهتمام لذواتهن، وإظهار الإعجاب والمدح، والثناء لشخصياتهن (ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك) لابد من لغة الاحترام والتقدير، والمودة والحب، ولغة المناقشة والحوار؛ لابد من البعد عن كل أنواع الإهانة والتوبيخ؛ سواء العنف والشتم، أو الضرب والإهانة، أو التجاهل لحاجاتهم المادية والاجتماعية والثقافية؛ وقبل كل شيء وبعده حاجاتهم النفسية والعاطفية.. (وخيركم خيركم لأهله)، ورعاية البنات، والعطف عليهن ومحبتهن حجاب من النار.. فهن الضعيفات الرقيقات اللآتي لا يكرمهن إلا كريم، ولا يهينهن إلا لئيم.. قد قسا قلبه، وجفت مدامعه، فكأنها الحجارة أو أشد قسوة منها.





ayyadh@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد