Al Jazirah NewsPaper Friday  09/05/2008 G Issue 13007
الجمعة 04 جمادى الأول 1429   العدد  13007
المنهج الخفي سلاح ذو حدين
يعن الله علي يعن الله القرني

تشير الأدبيات في مجال التربية عامة وفي مجال المناهج على وجه الخصوص إلى ظاهرة تسمى المنهج المستتر، وبعض الأحيان نجد من الكتاب من يطلق عليه مصطلح المنهج الخفي، أو المنهج الضمني وسواء هو منهج مستتر أو خفي فالمعنى المقصود واحد، وهو تلك الخبرات غير المخططة وغير المقصودة التي يتعرض لها الأبناء ويمرون بها دون استعداد فيتعلمون أشياء ويصلون إلى نواتج تعليمية لا تتضمنها الأهداف العامة للمنهج، وهذا يعني أن المعلم الذي ينفذ خبرات المنهج الرسمي بكل ما يشمله من مضامين علمية إنما يستطيع أن يحقق بعض الأهداف المعلنة وإلى جانبها تتحقق أهداف أخرى لم يشر إليها ولم يرد لها أي ذكر في فلسفة المنهج أو أهدافه.

ولمزيد من الإيضاح نقول: إنه عندما يصل المنهج إلى أيدي المعلمين يقوم كل منهم بتنفيذه وهو متأثر بخبراته السابقة وتوجهاته الفكرية والأيدلوجية ومستوى إعداده العلمي والمهني واستعداده لممارسة هذه المهنة ومستوى تقبله للمنهج ذاته، وإذا ما قام المعلمون بتنفيذ المنهج بأشكال وأنماط ومسارات متباينة نجد أن نواتج التعلم التي توصل إليها التلاميذ تختلف من تلميذ إلى آخر. وإضافة إلى ذلك يمر المتعلم بخبرات مصاحبة (إيجابية أو سلبية) جنباً إلى جنب مع خبرات المنهج المتاحة له (منهج مستتر) وهذه الخبرات هامة وأساسية ولا ينبغي أن نقلل من قيمتها، ولا ينبغي أن يتجاهلها خبراء المنهج وهم في مرحلة التعامل الأولى مع المنهج المخطط، وكذلك المعلمون في مرحلة تنفيذ المنهج.

ومع أن مصطلح المنهج الخفي عادة يستعمل ليحمل دلالة سلبية لكن من وجهة نظر من يسعى نحو النمو الإنساني الأمثل يمكن أن يكون ذلك النوع من التعلم مرغوباً أو غير مرغوب فيه، والمتأمل لمعظم الأطروحات التربوية التي تناولت المنهج الخفي يجد أنها تؤكد على أنه مصدر كل الشرور وأنه يشكل خطراً جسيماً على التربية المدرسية المنظمة والتلاميذ ومجتمعهم بحد سواء. ونحن نسلم بأن المنهج الخفي يفرز خبرات ضمنية سلبية ولكن هذا التوجه يغفل أن للمنهج الخفي دورا بارزا ومهما وجوهريا في تعزيز المنظومة القيمية المجتمعية كالانتماء والوطنية والتعاون وغيرها من القيم النبيلة، كما أنه يؤدي دوراً بارزاً في إكساب الطلاب مجموعة من المهارات والاتجاهات الإيجابية التي تمكنهم من التفاعل الاجتماعي ويكون لها مردود إيجابي على صحتهم النفسية.

كما أن معظم من يتناول المنهج الخفي يحمل المعلمين وزر النواتج التعليمية السلبية غير المقصودة والحقيقة أن هذه النواتج هي محصلة لمجموعة من المصادر ويعد المعلم واحداً منها وعلى سبيل المثال يعتبر الكتاب المدرسي أحد مكونات المنهج الرسمي فهو يشكل المحتوى الدراسي إلا أنه يعد من أهم مصادر أو مكونات المنهج الخفي فما يحويه من رسائل أو رسوم أو أشكال تنعكس سلباً أو إيجاباً على خبرات أبنائنا الطلاب، ومثال ذلك ما يرد في طياته من عبارات تسيء لللآخر ولدينه ومعتقداته. والتركيز في المواد الدينية على العبادات على حساب المعاملات فينعكس ذلك سلباً على خلفيات الطلاب وتوجهاتهم المستقبلية، وقد تظهر المناهج الخفية من رسالات مستترة في محتوى وعرض بعض الكتب المدرسية متمثلة في أسماء وأفعال وأمثلة ومواقف مغلفة يريد مرسلوها أن ينظر التلاميذ إلى مجتمعهم نظرة توافق نظرتهم لا كما يرغب المجتمع متمثلاً في أهدافه الإيجابية المستمدة من سياسات الدولة ودستورها.

وجدير بالذكر أن مجال تأثير المنهج الرسمي في المتعلم أضيق دائرة، بينما تأثير المنهج الخفي في المتعلم أوسع دائرة منهجية، ومن هنا ينبغي على المدرسة أن تأخذ هذه النتيجة بعين الاعتبار فتبني لنفسها منظومة من القيم الإيجابية، تعمل على إكسابها لطلابها من خلال توظيف المنهج الخفي وتنبيه المعلمين على أن أقوالهم وسلوكاتهم وأفكارهم تفرز مجموعة من الخبرات الخفية التي قد تحمل الشر وقد تحمل الخير.

وختاماً نؤكد أن تعديل السلوك - عن طريق عملية التعلم - هو محصلة لتأثيرات المنهجين الرسمي والخفي، ولذلك فإن التكامل بين المنهجين والتأكيد على التربية الصحيحة من خلال التربية الموازية أو غير المدرسية، يعد شرطاً أساسياً لحدوث التعلم الفعال، لأنه كلما زاد تكيف التلاميذ مع المنهج والمدرسة والحياة، كلما زادت فعالية تعلم الطلاب. كما أنه من الضروري بلورة السلوك التدريسي والممارسات التربوية في البيئة المدرسية والصفية، ومحاولة توظيفها لخدمة الجوانب الإيجابية للمنهج الخفي فهو يسهم في تحقيق التربية الخلقية للمتعلمين عن طريق التأسي الصالح لمجتمع الرفاق أو الكبار حيث إن القدوة والملاحظة غير المقصودة من أهم طرق تعلم المنهج الخفي، ومن هنا تبرز أهمية دور المعلم كقدوة حسنة لطلابه في جميع جوانب شخصيته، وليس فقط في المادة التي يعلمها.

كما يجب المسارعة إلى عقد دورات تدريبية للمعلمين أثناء الخدمة لتعريفهم بالمنهج الخفي وكيفية تعزيز خبراته الإيجابية، وتوعية الموجهين والمعلمين بأهمية إتاحة الفرص الكافية للتلاميذ للتفاعل الكامل مع خبرات المنهج الخفي، وكيفية توجيه الأنشطة الصفية وغير الصفية لكي يمر التلاميذ بخبرات إيجابية عديدة في إطار المنهج الخفي.

طالب دكتوراه بجامعة أم القرى - عضو الجمعية العلمية السعودية للمناهج والإشراف التربوي


yayct@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد