في السنوات الأخيرة، توجه الاهتمام نحو الدورات التدريبية وبالأخص إلى مهارات الإلقاء والخطابة وبرامج إعداد المدربين التي انتشرت على نطاق واسع ومن مراكز مختلفة. مما أدى لانتعاش التدريب وبروز أهميته بين أوساط العامة. ولكن بالمقابل نتج عن هذا الزخم التدريبي عدد لا يحصى من الحاصلين على تلك الشهادة، فأصبح كل من (هبّ ودبّ) مدرّباً. فبمجرّد الحصول على دورة إعداد مدرب وبعض الدورات الأخرى في أحد المجالات، إلا ويظهر لنا مدرّب جديد لم نسمع عنه من قبل. وبالرغم من سعادتنا بانتشار ثقافة التدريب واهتمام الناس به، حيث أصبح الكثير منهم وعلى اختلاف توجهاتهم حتى ربّات البيوت على وعي جيد بأهمية التدريب وضرورة تعلّم مهارات وأساليب جديدة لرفع الكفاءة وتطوير الذات؛ إلا أن هذه المهنة والتي أصبحت هواية لدى البعض تتطلّب كفايات ومهارات أكبر من اجتياز دورة إعداد المدربين. الأهم من تلك الكفايات والمتطلبات هي الخبرة العمليّة في هذا المضمار، قبل أن يحق للشخص أن يطلق على نفسه لقب (مدرّب)!! ولعل انتشار مراكز التدريب الخاصة على اختلاف مستوياتها حول العالم والتي تمنح شهادة مدرب معتمد ساعدت على انتشار هذه الظاهرة والتي بحق لا أدري هل هي ظاهرة صحية أم لا!
لا زلت أذكر تلك الإعلانات التي امتلأت بها إدارتنا في إحدى المرات عن دورة تدريبية لإحدى أولئك المدربات (السوبر) والتي كانت سيرتها مليئة بالمناصب والعضويات لمختلف الأندية واللجان مما أغراني بحضور تلك الدورة، وأحمد الله أني لم أدفع قرشاً واحداً لحضورها. حيث تصادف أن وُجّهت لي دعوة الحضور مجاناً، طمعاً بأن يتم التعاون المستقبلي مع تلك المدربة. وأثناء الدورة ذهبت تلك الأقنعة والألقاب والعضويات أدراج الرياح مع ربكة المدربة وتأتأتها وضحالة خبرتها ومعلوماتها.!
التدريب رسالة ومهنة تتطلب إعداداً دقيقاً طويل المدى وأداء عالياً ومهارات لا تُكتسب بين يوم وليلة بل نتاج التعمق والدراسة في علم ما والخبرة العملية على مدى سنوات، قبل أن يتجرّأ أحدهم على أن يسبغ على نفسه لقب (مدرب).
و طالما الحال كذلك، وسنفاجأ بظهور الكثير من أشباه المدربين والمدربات، أصبح على عاتق المستفيد الأول من التدريب وهو (المتدرب) المسؤولية العظمى في التقييم والحكم الموضوعي العادل بإجازة هذا المدرب والتسويق له أو إطفاء نجمه للأبد.
قبل النهاية: لا زلت أتحسّر على الساعات التي قضيتها في تلك الدورة والتي لم أخرج منها سوى بقناعة أن (التدريب علم وفن ومهارة لا يملكها إلا القليل). ولا زلت أرثي لحال أولئك المتدربات اللاتي دفعن مبالغ طائلة وكانت ملامحهن تضج غيظاً وندماً.
فتحية صالح البرتاوي
Bartawi1@gmail.com