ليس من الغريب أن نقرأ في الحديث عن قصة ذلك الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفساً ثم سأل أحد العباد هل لي من توبة؟ فقال العابد -جهلاً منه-: لا، فقتله فأكمل به المائة!
نعم ليس غريباً، فالقاتل على بشاعة معصيته جاء للعابد وعنده بصيص أمل في التوبة، وخيط دقيق من فجر الإنابة فقام العابد فقطع ذلك الخيط، وأطفأ شمعة التصحيح فوجد القاتل نفسه عند (الطريق المسدود) فأكمل به المائة إذ لا فرق حينئذ بين الرقمين!
والقاتل هو الذي جاء بنفسه للعابد لينقذه من هذه الكبيرة، فأخطأ العابد في جوابه فأرجعه إلى الدائرة التي يريد الخروج منها والسؤال المهم: كم منا كذلك الرجل العابد في أسلوبه وتعامله مع الأخطاء؟
فكم من ابن يخطئ في حق والديه ثم يدرك بعد برهة من الزمن أنه مذنب فيأتيهما نادماً منكسراً معترفاً بخطئه ليمسح عنه وصمة العار فإذا الوالدان قد صَبّا عليه جام غضبهما الذي لا يزول أبداً وربما صرح بعضهم له: (عذرك غير مقبول!) وفي كل مرة يخطئ الابن فيها لا يُقْبَل اعتذاره ولو كان صادقاً فيه حتى تصبح دمعة أسفه جامدة في مآقيه وينقلب لين قلبه غلظة من جديد!
ومثله الموظف الكسول أو المهمل الذي عرفه الجميع بذلك عندما يحاول التغيير من نفسه وبالفعل يبذل قصارى جهده في إتقان العمل وإحسانه ثم يصطدم بأن رئيسه لا يغير نظرته عنه فلا يثني عليه ولا يحفزه معنوياً ولا مادياً وكأن ليل الإهمال لا تمحوه شمس الإتقان والعمل!
وكذلك بين الزوجين فعندما يكون الزوج مثلاً لا يفهم الزوجة أو يخطئ عليها بتعامله حتى إذا كادت زهرة الوصل أن تذبل، أفاق؛ فلان كلامه وطابت فعاله فإذا بها لا تقبل أن تغير الصورة القاتمة السابقة! بل ربما قالت (الآن وقد فعلت ما فعلت)!
إننا بأمس الحاجة لفتح الطريق لكل إنسان يريد أن يحسن من حياته أو ذاته وإلا فالخسارة اجتماعية وحضارية لأن (الطريق المسدود) يعود بالإنسان إلى نقطة الصفر فماذا تتوقع من الابن أو الموظف أو الزوج عندما يقفون على الطريق المسدود؟
محمد عبدالله العبدالهادي - عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام
aboanus@hotmail.com