الشباب طاقة وحماس لتحقيق الطموحات، وقدرة هائلة على العمل والإنجاز، لذا تقاس قوة الدول والشعوب بحجم شريحة الشباب بين مواطنيها وسكانها.
وقديماً كان شبابنا يحفرون في الصخر لتحصيل العلم -رغم ضيق الفرص المتاحة وقتها- وكثير منهم كان يجمع بين التعليم والعمل معاً، ويمتلك الرغبة والطاقة والطموح للنجاح في هذا وذاك، وما أكثر النماذج المشرقة التي صنعت لنفسها مكاناً بارزاً، وأصبح يشار إليهم بالبنان لأنهم استثمروا طاقاتهم الشابة في مرحلة الشباب في التعليم أو العمل.
وفي كثير من الدول حولنا نجد الشباب يتحملون المسؤولية في سن صغيرة، وبعضهم يفد إلى بلادنا للعمل وكسب الرزق، متحملاً معاناة الاغتراب عن أهله ووطنه، لتحقيق طموحاته، التي لم يستطع تحقيقها في بلاده.
نقول هذا ونحن نرى كثيراً من شبابنا في هذا العصر، وقد فقدوا حماس الشباب، أو ربما لم يمتلكوا هذا الحماس أصلا، فصاروا وكأنهم (شيبان) قنعوا من الدنيا، ولم يعد بمقدرتهم البحث عن طموح جديد والسعي لتحقيقه، فهذا شاب تخرج من الجامعة وجلس في بيت أبيه، دون أي مبادرة لخوض غمار الحياة العملية، وهذا آخر لا يهتم كثيراً بالنجاح الدراسي، وثالث لا يعنيه تطوير خبراته ومهاراته في العمل الموكل إليه، ورابع لا يشغله سوى السهر مع أصدقائه ليلاً والنوم نهاراً، وما أكثر النماذج التي تملأ النفس الأسى لشباب لم يعودوا شباباً، بعد أن تمكنت منهم شيخوخة التخاذل والوهن، وانعدام الطموح، وعدم الرغبة في تحمل أي مسؤولية!!
وعندما تتحدث إلى أحد هؤلاء الشباب، تجده لا يمل من الشكوى وانتقاد الظروف، في محاولة لتحميل غيره مسؤولية ما أصابه من شيخوخة، قبل أن ينصرف عنك ويضعك بأبشع صورٍ اللا مبالاة!!
ومع تسليمنا بصعوبة ظروف بعض الشباب، إلا أن من المؤكد أن شبابنا أسعد حالاً من غيرهم في دول كثيرة، وهناك مساحة كبيرة متاحة أمام الطامحين منهم لإثبات ذاتهم، فالدولة تنفذ كثيراً من البرامج لاستثمار الطاقات الشابة، وتوجيهها للإسهام في تحقيق التنمية، ولكثير من مؤسسات القطاع الخاص مبادرات مشكورة في احتضان الشباب، ودعم المتميزين منهم.
والحقيقة أن كثيراً من شبابنا أدمنوا الترف، وخربهم التدليل الزائد، واستجابة الوالدين لتوفير كل ما يحتاجه البناء، وصولاً إلى كماليات يمكن الاستغناء عنها، وقد أسهم هذا التدليل والترف في إصابة كثير من الأبناء بالسمنة الظاهرة، وصار كثير منهم يتحرك كما لو كان شيخاً عجوزاً هدّه الزمن، كما أصاب هذا الترف الزائد أبناءنا في الصميم ففتر حماسهم، وضعفت همتهم، وانحصرت اهتماماتهم في أمور تافهة، وليس أدل على ذلك من شكاوى مؤسسات القطاع الخاص من تسيب الشباب وإهمالهم، وعدم استمراريته في العمل!
وهذه الشيخوخة المبكرة التي أصابت كثيراً من شبابنا، خطر كبير يهدد المجتمع، ويؤثر سلباً في أي جهود للتنمية، فضلاً عن الآثار السلبية لفقدان الطموح والاستسلام لآفة الفراغ، أو استهلاك الطاقة في أمور لا فائدة منها.. وهذا الخطر يتطلب منا جميعاً إعادة النظر في تعاملنا مع الشباب بدءاً من الأسرة، حتى لا نكون كالدبة التي قتلت صاحبها، لأنها أشفقت عليه من ذبابة حطت على وجهه، ليصدق المثل القائل (ومن الحب ما قتل)، فتشجيع الشباب على تحمل المسؤولية، والسماح له بالإدلاء بالرأي في كل ما يعنى من أمور الأسرة، هو الخطوة الأولى لحماية الشباب من شبح الشيخوخة، ثم يأتي بعد ذلك خطوات أخرى كثيرة تتحمل مسؤولية تنفيذها المؤسسات التعليمية والتربوية، وكافة مؤسسات المجتمع المعنية بالشباب.. ويبقى الأمل أن نسارع جميعاً في هذا الاتجاه قبل أن نفاجأ بوجود شريحة كبيرة من (الشيبان) في سن العشرين أو أقل من ذلك!! والله المستعان.
alomari1420@yahoo.com.