كان فيصل بن عبدالعزيز آل سعود، رحمه الله، يمثل أحد أعمدة الدولة السعودية في عهد المغفور له والده الملك عبدالعزيز وفي عهد أخيه الملك سعود، رحمه الله، من خلال تسمله مسؤوليات جساماً متنوعة ومتعددة. ولما آلت إليه مقاليد الأمور وأصبح ملكاً على البلاد سار على سياسة والده وأخيه من حيث المحافظة على أمن البلاد وصيانة وحدتها وحفظ مصالحها والدفاع عنها.
وأصبح محور اهتمامه أمن الشعب وتوفير وسائل العيش الكريمة له والعناية بتعليم أفراده وصحتهم. ورأى أنه لا بد من استثمار العائدات النفطية التي حبا الله بها البلاد في تطوير البلاد والنهوض بها وفق خطط علمية مدروسة لكل خمس سنوات خطة شاملة الإنسان والمؤسسات وكل القطاعات الحيوية والمرافق. وبما أن الحيز المتاح لي لا يسمح بالحديث إلا عن جزئية صغيرة من الإنجازات التي تمت في عهد الملك فيصل فسأقتصر على الإشارة إلى ملامح من تطوير التعليم الجامعي. أول جامعة أُنشئت في المملكة في عهد الملك سعود عام 1377هـ وحملت اسمه ومقرها العاصمة الرياض. ظلت هذه الجامعة تخدم المملكة كلها وكان الطلاب يفدون إليها من جميع مناطق ومدن المملكة. ورأى الملك فيصل من خلال سياسته للتطوير الشامل في البلاد ضرورة تطوير التعليم الجامعي فطورت جامعة الملك سعود باستحداث كلية الطب وكلية الهندسة وكلية التربية. وأمر لاحقاً بتطوير كليتي الشريعة واللغة العربية بالرياض إلى جامعة إسلامية تحمل اسم جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية واستحدث فيها كليات جديدة وطورت إدارتها ومناهجها من حيث الأخذ بالأساليب العلمية العصرية.
وقبل إنشاء الجامعة الأخيرة رأى الملك فيصل عدم الاقتصار على جامعة واحدة في العاصمة وهو أمر كان معمولاً به في حينه بجميع الدول العربية تقريباً، ورغب في الدخول في تجربة جديدة وتم ذلك بفتح جامعة جديدة في المنطقة الغربية يكون مقرها في جدة على أن تكون الجامعة أهلية غير ربحية لتعطيها حرية المبادرة الخاصة والتحلل من القيود والأنظمة لتضع أنظمتها الخاصة التي تمتع بالمرونة مما قد يساعدها للتطور النوعي بسرعة.
وترأس جلالة الملك فيصل مهرجان تدشينها بمدينة جدة وجمع الأموال لهذا الغرض وكان هو أول المتبرعين وساهم عدد كبير من المواطنين وخاصة رجال الأعمال بمدينة جدة، وقام على إدارتها نفر كريم من المتحمسين لتحقيق هذا المشروع الحلم يقودهم الأستاذ أحمد عبيد، رحمه الله، لكن بعد مضي بضع سنوات تم تقييم التجربة ووجد أن مصادر التمويل الخاصة لا تكفي لتطوير الجامعة خاصة أنها لا تتقاضى أي رسوم أو عائدات، والتطوير يقتضي فتح كليات ذات كلفة عالية مثل الطب والهندسة فأمر الملك فيصل يضمها إلى الدولة وتم فتح كليات جديدة وقامت هذه الجامعة الفتية بخدمة جميع المنطقة الغربية وبعض المناطق الأخرى.
وبنفس اهتمامه نحو أبناء المنطقة الغربية وجه الملك فيصل اهتمامه نحو أبناء المنطقة الشرقية فوجه بتطوير كلية البترول إلى جامعة متخصصة بعلوم البترول والهندسة والإدارة الصناعية، وبفتح جامعة أخرى جديدة حملت اسمه تضم كليات للطب والهندسة العمارة والتربية وتخدم هاتان الجامعتان أبناء المنطقة الشرقية وغيرهم من أبناء المناطق الأخرى.
يُضاف إلى تطوير التعليم الجامعي في داخل المملكة أنه كانت سياسة الابتعاث مفتوحة إلى خارج المملكة وبعث الطلاب للدراسات العليا بصفة خاصة إلى أرقى الجامعات في الولايات المتحدة وأوربا، فأثمرت سياسته بشقيها الداخلي والخارجي بتخريج كوادر مؤهلة في جميع التخصصات قادت مسيرة التطوير التي خطط لها وهذه واحدة من الأيادي البيضاء الكثيرة التي تُحسب له.
قسم التاريخ - كلية الآداب - جامعة الملك سعود