يُعَدُّ الرئيس الأمريكي الأسبق (جيمي كارتر) الذي قام مؤخراً بجولة في بعض الدول العربية وإسرائيل أول رئيس أمريكي ينتمي للجنوب الأمريكي، فالرئيس كارتر من ولاية جورجيا التي تقع في أقصى الجنوب الأمركي، وبعد انتهاء رئاسته للولايات المتحدة سنة 1980م عاد للإقامة فيها.
وقد شهد عهد الرئيس كارتر العديد من الأحداث المهمة يأتي في مقدمتها توقيع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل سنة 1979م، حيث اعترفت مصر بإسرائيل بعد انسحابها من صحراء سيناء على إثر الزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس المصري الراحل أنور السادات لإسرائيل سنة 1977م.
كما أن من الأحداث ذات الأهمية في عهد كارتر سقوط نظام الشاة في إيران سنة 1979م واحتجاز الدبلوماسيين الأمريكيين في السفارة الأمريكية في طهران كرهائن واستمرار ذلك إلى حين انتهاء رئاسته وتولي الرئيس الأمريكي الأسبق (ريجان) الرئاسة بعده حيث لم تحل أزمة هؤلاء الرهائن إلا بعد مضي فترة من الوقت في رئاسة ريجان. ومن الأحداث التي تمت في عهد كارتر فيما يتعلق بالعلاقات السعودية الأمريكية زيارة الملك خالد بن عبدالعزيز -رحمه الله- للولايات المتحدة ثم زيارته هو للمملكة.
ويُعدّ الرئيس كارتر من الرؤساء الأمريكيين الذين يتسمون بالموضوعية والتعقل، ولم تدخل الولايات المتحدة في عهده في أي مشكلة مع دولة أخرى، كما أنها لم تقم بالتدخل العسكري في أي دولة أخرى، وبعد انتهاء فترة حكمه لم يركن للتقاعد والانزواء بل سلك نهجاً شخصياً للمساهمة في إحلال السلام والاستقرار في العالم، كما شارك في مراقبة الانتخابات في بعض الدول، وكان آخر جهوده في هذا المجال المساعي التي بذلها مؤخراً للتقريب بين وجهات النظر حول الخلاف القائم بين إسرائيل ومنظمة حماس، فقد زار على التوالي إسرائيل ومصر وسوريا والمملكة العربية السعودية والأردن، وقد طرح خلال هذه الجولة أفكاراً جيدة كان يفترض من قادة حماس الاستفادة منها وإحراج إسرائيل التي كان موقفها من جهود كارتر غير إيجابي حيث اتهمه الإسرائيليون بالتحيز مع الفلسطينيين. فقد كان من الأفكار التي طرحها كارتر إطلاق سراح (70) معتقلاً فلسطينياً من أعضاء البرلمان الفلسطيني وأعضاء الحكومة التي كان إسماعيل هنية رئيساً لها والذين اعتقلوا منذ بضعة أشهر، وكذلك إطلاق سراح (70) من المواطنين الفلسطينيين الآخرين المعتقلين من قبل إسرائيل، أي أن المجموع إطلاق سراح (140) فلسطينياً مقابل إطلاق سراح معتقل إسرائيلي واحد وهو الجندي الإسرائيلي الذي اعتقل من قبل حركة حماس منذ عدة أشهر.
والسؤال الذي يطرح نفسه، لماذا تم إضاعة هذه الفرصة التي ستؤدي إلى إخراج هذا العدد الكبير من المعتقلين الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية مقابل إطلاق سراح إسرائيلي واحد؟
من ناحية أخرى أعلنت حركة حماس خلال جولة كارتر أنها تقبل بدولة فلسطينية في الأراضي الفلسطينية الحتلة سنة 1967م إلا أنها لن تعترف بإسرائيل، وهو موقف لا يخلو من التناقض وقد يؤدي إلى التأثير سلبياً على عملية السلام وإقامة الدولة الفلسطينية، فهو يتعارض مع موقف السلطة الفلسطينية التي اعترفت بإسرائيل وقبلت بمبدأ إقامة دولة فلسطينية في الأراضي المحتلة سنة 1967م تعيش بجانب إسرائيل، كما أن هذا الموقف من حماس يتعارض مع المبادرة العربية للسلام التي اشترطت للاعتراف بإسرائيل والتعايش معها انسحابها من بقية الأراضي المحتلة في حرب سنة 1967م بما فيها القدس الشرقية.
إن المؤمل من حماس التفاعل الإيجابي مع موقف السلطة الفلسطينية ومع الإجماع العربي، فيد الله دائماً مع الجماعة، وعدم انتهاج مواقف بعيدة عن الواقع والموضوعية، حتى لا تؤثر مواقفها الآحادية على مساعي الجميع في الوصول إلى إحلال السلام وإقامة الدولة الفلسطينية فوق الأراضي المحتلة سنة 1967م.