للنشاط في منظومة عناصر العملية التعليمية مكانة خاصة، نظراً لأهميته التعليمية، وقيمته التربوية، فالتربويون يدركون ضرورته، ويعرفون أثره، ومن هذا المنطلق فإنه لا يمكن أن تتم العملية التعليمية على أصولها، وتحقق تأثيرها التربوي المنشود، ما لم يكن النشاط المدرسي في سلم الأولويات، لدى كل من المسئولين عن وضع السياسات والخطط، ولدى المنفذين في الميدان، مع القناعة التامة بدعم البنود التي تساعد على تنفيذ النشاط وتفعيله بشرياً ومادياً.
ومن هذه الرؤية انطلق التربويون في رسم خططهم، ووضعوا البرامج العملية التي تحقق الرؤى والأهداف المنشودة من النشاط، والمتابع المنصف يدرك البون الشاسع بين برامج النشاط اليوم، وتلك التي كانت تمارس قبل عقود مضت، حيث كان يغلب على برامج النشاط طابع اللهو والترويح، والسمر على وقع الدفوف والطبول، أما اليوم فبرامج النشاط متعددة الأهداف، متنوعة الفعاليات والبرامج والمجالات، ولأنها كذلك، فقد تعرضت - خاصة بعد أحداث البغي الداخلية - إلى كثير من التشكيك والتأويل، والتعميم والتصريح بأنها محاضن وبيئات لتكوين المفاهيم الباغية والخارجة، وسارع البعض إلى استثمار الأحداث، فرفع الصوت عالياً، يحذر من النشاط، فكراً وممارسة، خاصة بعد مقولات ومقالات أولت الأفعال، وشوهت الغايات والمقاصد، ومعاريض مجهولة المصادر، كتبت بقصد التخوين والتهويل والتخويف، فسلطت فئة أنظارها على فعاليات النشاط، - ومازالت -، فجندت من ينقب عن سقطة أو هنة، فصارت الأناشيد والمسرحيات والأشرطة الصوتية والمرئية والكتب الثقافية، مادة دسمة للمتوجسين والمتربصين سوءاً بالنشاط والقائمين عليه، ومن مقولة: (من طلب عيباً وجده) شمرت النفوس المتربصة عن ساعديها، وتحركت نوازع دفينة تنقب عن مسوغ، ففتحت الأعين والآذان واسعة، لتتلقف الأخبار والأقوال والأحداث، من المصادر الموجهة، لكي يتم تأويلها، ولي أعناقها، وقراءتها قراءة تتوافق من تلك نوازع الكامنة، لتصوغ الرؤية (المؤولة المشككة المخوفة) من برامج النشاط، محذرة (إياكم وإياكم) من النشاط، فهو مؤدلج مسيس، فأيديولوجيته تهون الموت وترغب فيه، وتوافق الأضداد في رؤيتهم للنشاط من كونه مسيساً، يخدم أغراضاً معينة، فشوهت أغراضه وأهدافه وغاياته، إمعانا في التحذير منه والتخويف من عواقبه.
وأمام سطوة المتصدين، وتراجع الدعم المالي لبنود برامج النشاط التي هي في الأصل ضعيفة شحيحة، تسرب الوهن والخذلان لنفوس جل المتحمسين للنشاط والمؤمنين به، والقائمين عليه، بل أقفلت الأبواب أمام المتطوعين بأوقاتهم وجهدهم، وظن بهم الظنون، هكذا كانت حال النشاط، ويبدو أنه مازال على الحال نفسها، وهي حال تعوق تمام فاعلية العملية التعليمية وكمالها، بل إنها حال تفضي إلى تشويه المخرج التعليمي، وتقلل من كفاءته، على اعتبار أن النشاط يمثل البعد التطبيقي والعملي لما يتم تعلمه في المقررات الدراسية.
وخروجاً من حال الخوف من النشاط والشك فيه، يجب أن يعلم أن فعاليات النشاط عامة تتم في العلن، وفي فضاءات مفتوحة، معروفة المكان والزمان، وأنه لا مجال لاستغلال النشاط في أغراض تحرفه عن أهدافه وغاياته المعلنة المعروفة، ومع هذا قد يتسلل خارج أو ناشز عن الإطار العام للنشاط، وهذه حال لا يمكن إنكارها، بل هي حال متوقعة، تحصل على مستوى الأسرة الواحدة، لكنها حال تبقى في حدودها الضيقة، ولا يمكن أن تشوه الصورة أو تطغى على كمالها وجمالها وقيمتها.
إن التشكيك في فعاليات النشاط والقائمين عليه، أدي إلى تعويق أحد العناصر الرئيسة في العملية التعليمية، وإلى إتاحة الفرصة إلى ممارسات تتم في غرف مغلقة بعيدة عن أعين المراقبة والمحاسبة، بعد أن كان يمارس في أجواء مفتوحة، تحت أعين تتحمل مسئولية ضبطه والإشراف عليه، وتسييره بمأمن من الشطط والانحراف.