Al Jazirah NewsPaper Thursday  08/05/2008 G Issue 13006
الخميس 03 جمادى الأول 1429   العدد  13006

نوافذ
لعبة التغيير
أميمة الخميس

 

علاقتنا مع الزمن منبتة، فإرثنا الثقافي يحيلنا على عدد من المظاهر التي تجعلنا دوماً نقفز إلى مقاعد المتفرجين، ونكتفي بالعلاقة السالبة مع نهر الزمن الهادر المتدفق, دون أن نحاول أن نشتبك معه في علاقة ندية.

وقديماً قال شاعرنا:

واصبر على ما يأتي الزمان به...

صبر الحسام في يد الدارع البطل

وقال الرندي:

هي الأمور كما شاهدتها دول....

من سره زمن ساءته أزمان

وسئل أعرابي: ما أطيب ما في حياته، فأجاب (صديق أحادثه, وحبيب ألاعبه، وأماني أقطع بها أيامي) حيث الزمان يحل بصنوفه وأعاجيبه، وأطواره، ومفاجآته، وما علينا سوى أن نقبع في حالة من الكمون والترقب بتوقعه.

لكن يبدو أن العصر الحديث تقاطع مع هذا المفهوم بصورة كبيرة، عبر العلم الشاهق العجيب الذي بات يهيمن على جميع التجمعات البشرية المتحضرة.

علم الإدارة!

الأسبوع الماضي أمضيته في تلقي دورة إدارية تحت مسمى (إدارة التغيير)، حيث تحول التغيير فيها مادة يمكن قياسها وتوقعها ومن ثم السيطرة، عليها، وليس كما يحدث عادة (حدث يحل فجأة فيبعثرنا).

وتنبثق المادة العلمية لإدارة التغيير من علم الإدارة، ذلك العلم الشاسع المتفرع، الذي بات يسيطر على العالم منذ ثمانين عاماً، ويفزع جميع من يركن إلى الصدف... والبركة في إدارة حياته.

فالتغيير كان طوال عمر البشرية يخضع للانتظار وللصيروة المتواترة وقانون التبدل والتغير الكوني، لكن في الوقت الحاضر لم يعد كذلك، فعلم الإدارة مد يده الفضولية إلى صندوق الزمن، ولعب في مفاتيحه، وأرقام أبوابه، وفهرسة مؤشراته، وصرامة تقويمه، وأخيراً منح علم الإدارة البشر المفاتيح السرية والمواقيت التي تقود عملية التغيير, بعد أن جيرها للمشيئة الإنسانية، وصالح البشر وتجمعهم العمراني.

ومن هناك تبلورت عدة إستراتيجيات إدارية لاستنبات بذور التغيير, واستحثاث عملية ولادته، ومن ثم توفير الحاضنات القادرة على تثبيته وتأصيله.

فهناك إستراتيجية التغيير العقلانية الميدانية، تترافق مع التثقيف والتوعية الموجهة، ولا بد للقائد أن يثير عدم الرضا عن القديم، حتى يفسح المجال للجديد أن يحل.

وإن كانت النظرية النخبوية ترى أن النخبة 2% هم الذين يقودون البقية، وهو ما أسمته الفلسفة اليونانية بالقيادة الإرستقراطية، إلا أن علم الإدارة الحديثة يرفض أن يجعل من سبيل واحد هو الحل للوصول، بل لا بد من تمتين العلاقة مع الأرضية، سواء بطرق مباشرة أوعبر الدهاء والمناورة، من خلال استقطاب القادة الشعبيين (غير الرسميين) في مؤسسة ما مثلاً، أوربط المكافآت بالتغيير، أوتحليل الميدان وفك رموزه ومعرفة أسراره.

قائمة طويلة من الفلسفات والإستراتيجيات التي تنظم عملية التغيير وتجعله، علماً محسوساً له بنية وأطر وأساليب ومخرجات منتظرة ومتوقعة.

لأنه في العصر الحديث لم يعد هناك من حيز لذلك الإعرابي الكسول وعلاقته السالبة مع الزمان.... وتهويمات الأماني التي يقطع بها أيامه.

لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6287 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد