أحد عشر عاماً ملأها الفيصل بالأمجاد، لِيُدخِل المملكة العربية السعودية في خارطة التاريخ السياسي (المشرف)، أحداث دامية رهيبة كانت تعصف بالعالم أجمع لتجبره على التوجه إلى ذلك الرصيف الضيق ومع ذلك لم يكن أحد يستطيع أن يغير الأقدار أو يوجهها ولكن الفيصل وبكل جدارة تمكن من إدارة الموقف ليوجه العالم أجمع إلى ما تريده المملكة فأصبحت هي المتسيدة وكانت كلمتها -ولا تزال- هي المسموعة في زمن لم يكن من السهل أن تُطَوَّع فيه الدول أو تسيّس مطالبها لصالح دول أخرى هي الأقل من الناحية السياسية والاقتصادية والعسكرية، ولكن سياسة العقل والمنطق أثبتت أنها هي الأقوى والأقدر على التعامل مع الجميع، (الجميع) الذين لم تعجبهم تلك الدولة الفتية ولم يتوقعوا في يوم من الأيام أن ينصاعوا إلى آرائها العادلة والمتزنة ولكن الفيصل أثبت لهم أنه الأقدر والأقوى على إدارة الساحة الدولية والمحلية. |
كانت المبادرة مثيرة لإقامة ندوة تاريخية ومعرض عن جلالة الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود، الملك العادل الحكيم فكان التفاعل من الكل.. الأدباء والمؤرخين والكتاب ممن عاصروا الفيصل وعاشوا في كنف عهده اللامع، فلم يكونوا بحاجة لمن يروي لهم القصص والحكايات التاريخية (المتنوعة) التي تحكي كل واحدة منها عن جانب مضيء وضاء من حياة هذا الملك المحنك. |
هي دعوة أجزم أن آلاف الدعوات (الصادقة) قد سبقتها ليس لتدوين تاريخ الفيصل, فزمانه كما ذكر الأمير خالد الفيصل في مقدمة كتاب (مسرد تاريخ الفيصل) -الذي يسرد تاريخ الوقائع والأحداث في حياة الملك فيصل بن عبدالعزيز -يرحمه الله- في الفترة (1324 - 1395هـ)-, فيه المعاصر له وشاهد العيان بالإضافة إلى الصورة والتسجيلات الصوتية والسجلات الرسمية والصحافة التي قيد مسيرته، وجميع هذه الوسائل التي أشار إليها الأمير خالد هي بالفعل متوفرة ويمكن الرجوع إليها في أي فترة وبأيسر الطرق ومتاحة للكل بلا استثناء، ولكنني أدعوا إلى توثيق التاريخ السياسي للملك فيصل -رحمه الله- من قبل المختصين بشرط أن تشترك في هذه العملية شخصيات سياسية محلية وعربية وأجنبية منتقاة بعناية توثق هذا التاريخ وتتفق على أبجدياته وبعد ذلك يجب أن يعرض أيضاً على خبراء آخرين لكي يتحققوا من صحته فالإصدارات التي يؤلفها شخص واحد هي معرضة في الغالب إلى النقص وغلبة الأهواء والرأي الشخصي وفي مثل هذه الأمور نحن بحاجة إلى الرأي الجماعي الحقيقي الذي يضمن لنا أهلية هذه السيرة, ومن ثم دراستها تاريخياً وسياسياً دراسة وافية دقيقة وستتبين من خلالها المنطلقات السياسية التي كان يرتكز عليها الفيصل أثناء فترة حكمه وبالتحديد فيما يخص علاقات المملكة مع الدول الكبرى في مقدمتها المملكة المتحدة بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، فخلال تلك الفترة كان العالم يمر بأزمات ضخمة كانت بمثابة المنعطفات (الحادة) في تاريخ دول بأكملها، ولعل الهزيمة الكبيرة التي مُني بها العرب سنة 67م أبرز دليل حي على قدرته النادرة على التعامل مع الأمور بشكل متزن وبعيد عن الحلول السريعة التي قد يكون لها عواقب وخيمة في المستقبل. |
لقد كان الملك فيصل قائداً عربياً يدير الأمة جمعاء فكانت جميع الدول العربية بلا استثناء تعتمد على رأيه السديد وبالأخص عندما يتأزم الوضع العربي ويتكهرب حينها ستتجه الأنظار نحوه، فكان جميع القادة العرب يعرفون أن الفيصل هو الأقدر على إدارة جميع هذه الأزمات والتخلص من نتائجها السلبية، ولعل القارئ الكريم على معرفة تامة بخلفيات حرب أكتوبر سنة 73م، عندما طلب من الرئيس الأمريكي (نيكسون) وقف الإمدادات العسكرية لإسرائيل، وقد هدد الفيصل الرئيس الأمريكي بقطع النفط عنها في حين لم تتجاوب مع هذا الطلب، وبالفعل رفض الرئيس (نيكسون) وقف الإمداد العسكري لإسرائيل وطبق الملك فيصل تهديده فأوقف تصدير النفط إليها مما تسبب في حدوث خلل كبير في الحسابات الأمريكية فانتصر العرب سياسياً واقتصادياً على إسرائيل، فعادت الهيبة للعرب وكان هذا القرار سبباً في حدوث طفرة هائلة في المملكة حين وصلت أسعار النفط إلى أرقام قياسية جداً لم يكن من السهل أن تصل لها في ذلك الوقت فكانت الحروب والأزمات تعصف بالشرق الأوسط من كل جهة ولكن بُعد النظر حسم كل هذه الأمور لصالح المملكة والعرب. |
لقد أدرك الملك المؤسس -طيب الله ثراه- أن لديه نجلاً يتمتع بقدرات سياسية نادرة فسعى إلى تطويرها وصقلها، ولا أدل على ذلك عندما كلفه الملك عبدالعزيز بزيارات منتظمة إلى عدد من الدول عام 1932م، في مقدمتها فرنسا، وإنجلترا، وبولندا، وتركيا، وبعد ذلك قام بزيارة خاصة إلى روسيا في نفس العام، ومع أن الفيصل في سن الشباب إلا أن ثقة الملك عبدالعزيز بقدرته (النادرة) على التعامل السياسي (الدبلوماسي) مع الكل كانت هي الفيصل في ذلك، فزيارته لموسكو -على سبيل المثال- أثمرت عن نتائج سياسية وتجارية وعسكرية جيدة ذكرها بالتفصيل السيد (فيتالي ناؤومكين) في كتابه (الفيصل في روسيا). |
كرسي بحثي باسم الملك فيصل |
هي دعوة لأبناء الفيصل البررة بأن يوثقوا تاريخ الملك فيصل السياسي ليكون أداة في متناول أساتذة الجامعات في الأقسام السياسية وللكليات العسكرية أيضاً فخبراته العسكرية والسياسية درر يجب الاستفادة منها، وإني أتمنى بأن تنشأ كراسي بحثية في الجامعات العربية والأجنبية باسم الملك فيصل وتكون في ميدان العلوم السياسية فهي بذرة لإنشاء بحوث أكاديمية محكمة عن سياسة الفيصل يمكن أن تُعتَمد كمناهج فيما بعد في الأقسام السياسية في هذه الجامعات. |
وأختم بقصيدة خالد الفيصل في رثاء والده الملك فيصل -رحمه الله-: |
لا هنت يا راس الرجاجيل لا هنت |
لا هان راسٍ في ثرى العود مدفون |
والله ماحطك بالقبر لكن أمنت |
باللي جعل دفن المسلمين مسنون |
منزلك يا عز الشرف لو تمكنت |
فوق النجوم اللي تعلت على الكون |
سكنت دار المجد يا شيخ واسكنت |
شعبك معك في منزل العز ممنون |
صنت العهد يا وافي العهد ما خنت |
علمتهم وشلون الأشراف يوفون |
كم ظالم عاداك واعفيت واحسنت |
واخلفت ظن اجموع ناس يظنون |
شلت الأمانة حافظ ما تهاونت |
شفنا بك رجال على النفس يقوون |
ياللي طلبه الملك بالحب زينت |
عرشك بتاج قلوب شعب يحبون |
لونت تاج الملك ما قد تلونت |
ما غرتك دنياك ماصرت مفتون |
بالزهد والمعروف والصبر كونت |
منهاج فيصل منهج اللي يعدلون |
تلفتت روس المخاليق وين أنت |
وين العظيم وعود الشوف مطعون |
كم خافق وقف عقب ما تكفنت |
وكم ناظر ذوب سواداه محزون |
لو شفت حال الناس عقبك تبينت |
مقدار حب الناس للي يودون |
مما بقلبي قلت يا بوي لا هنت |
وإلا انت فوق القول مهما يقولون |
|