|
في ليلة أبت أن تكتفي ببدرها، فاستدعت معه راغبة بدورا هم زينة اللقاء، تملكهم الوفاء، فانساقوا بحب وعطاء.. احتفل الأستاذ أحمد الصالح، والدكتور عبدالله الغذامي، والأستاذ حمد القاضي، والدكتور إبراهيم التركي، بالأستاذ عبدالله الناصر الملحق الثقافي ببريطانيا سابقاً. ليلة زينها الوفاء فأتت كل حروفها شعراً، رغم عدم احتياج كل فقراتها للوزن والقافية؛ مكتفية بجمال المناسبة، وإيقاع الصدق، لتكون القافية النية التي سمت فعلت.. وبرغم تزامن هذا اللقاء مع مناسبات أخرى مهمة، إلا أن الحضور ملأ القاعة متحدياً حدود المسافات فيها، بعضهم حضر هنا واكتفى، وبعضهم جمع بين مناسبتين كما فعل رئيس التحرير الأستاذ خالد المالك. |
كان التقديم يقع على عاتق إبراهيم التركي، فبدأ معتذراً (إذ يقصر البيان في حضرة فرسانه)، ليصل مخرجات (نقرأ في نهايتها فرداً يمثل الجمع وجمعاً يعتز بالمفرد)، متحدثاً عن اعتذاريات الضيف الذي أبى أن تكون أربع دعوات تتوزع بين الداعين تباعاً، وأصر على الرفض، ليصر الداعون على الجمع ويقبل الضيف ثم شدا التركي: |
|
|
|
فالضياء الحلم لا يثنيه خوفه |
|
|
|
ليثني على الضيف مؤكداً أنه مسكون بخوف الله وحب الوطن وأضاف: هو منغرس في الرمل شامخ مع النخيل تقرأ فيه ملامح الفارس الذي عشق الصحراء فعشقته.. ليفتح المجال من بعد للمشاركين وكانت البداية مع الدكتور عبدالله الغذامي الذي استهل حديثه مبيناً أن الداعين اليوم ينوبون عن أدباء الرياض معتذراً لمن اعترضوا وأبدوا عدم رضاهم لكونهم خارج خارطة الدعوة ثم تحول للضيف فبين أن القيمة الأساس لعبدالله الناصر في كون اسمه محل رغبة وإحساس لدى كل من يعرفه. |
بعدها أكد الغذامي أنه سيستعين بالتراث على الناصر كونه رجلاً تراثياً مستعيناً بجلال الدين الرومي وابن سينا، وأما الأول فاستشهد بحكاية الغزال وكلب الصيد وبعد مدة التفت الغزال ليؤكد أن الثاني لن يلحق به لأنه يركض لنفسه، وأما الآخر فيركض لسيده وأضاف مداعباً: (لا يهمني طبعاً كلب الصيد) مبيناً أن الناصر كذلك الغزال يعمل بصدق وجد كبيرين ثم استعان بقصة رواها له الدكتور محمد الهدلق الذي كان في رحلة لبعض الدول الأوروبية، وقد واجهتهم صعوبات عدة فكل مسؤول كان يدافع عن جامعات بلده حتى وصلوا لعبدالله الناصر الذي أعطاهم الفكرة كاملة ودون مجاملة عن الجامعات هناك مبيناً كل نقاط القوة والضعف. |
وأضاف: يحسن بنا لكي نشهد له أو عليه ألا نقيس على تعامله معنا فكل إنسان يتجمل لأصدقائه لكننا ننظر للطلاب الذي درسوا في بريطانيا وكيف كان إلحاحهم شديداً - وأمام خادم الحرمين الشريفين- على بقاء الناصر بين ظهرانيهم أباً وأخاً وصديقاً لكنه اعتذر بأنه قضى خمسة وعشرين عاماً من الخدمة وآن له أن يستريح ولكنه عاد من تعب إلى تعب. |
وأما الاستشهاد الآخر بابن سينا فكان بمصطلحه (الغش النافع) وأضاف الغذامي: لم أجده متمثلاً في سوى عبدالله الناصر، مشيراً لقصص ذكرها الناصر عنه مثنيا عليه ومسبغاً على الغذامي فيها كثيراً من الصفات الحميدة والفريدة. |
وأضاف: (قصد ابن سينا بالغش النافع نوع الاستخدام المجازي في الأدب الذي يقوم على المبالغة في الكذب لأنك تغش الناس ولكنه غش نافع) وهذا يصدق على الضيف. |
وأشار إلى أن الناصر شرع في رواية لكنه لما يكملها بعد وقال: (هو يعرف أني لما قرأت ما كتب قلت: الآن كتبنا الرواية فهو جعل الأرض تتكلم وتكشف أسرارها وأطالب عبدالله الناصر بإكمال الرواية لأن في إكمالها مشروعاً ثقافياً ووطنياً يجب أن يتم) |
اختتم الغذامي حديثه بأن الحضور يعيشون لحظة وفاء ومحبة وأنه يرجو أن تكون لحظة مشاريع علمية وثقافية مستمرة وأضاف: رجل كعبدالله الناصر إذا كرمته فإنما تكرم نفسه. |
بعدها استمتع الحضور بقصيدة للشاعر أحمد الصالح بمناسبة التكريم ومنها: |
|
|
|
|
|
|
وتخزن بين الضلوع هوى يتنامى |
|
|
|
|
|
|
|
ملأت بلاد الضباب انتشاراً |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
والكلمة الأخرى كانت للأستاذ حمد القاضي الذي تساءل كيف يختصر علاقة عمر في لحظات وكيف يسرد مواقف وحكايات تبقى رافضة حدود النهايات مستمرة مع مرور الأيام والليلات. وقال: (كلما رأيته تذكر تقول الشاعر: |
|
|
وقال: سأبدأ مع إنسانيته سارداً مواقف كثيرة معه، فالناصر يظل متابعاً أوضاع كل من عرف ولا يطمئن حتى يتأكد أن مشكلة من عرفه قد انتهت. |
وأما الإداري فكان هناك طلاب لهم ظروف مادية في بريطانيا وتدخل الناصر لمساعدتهم لكن المسؤولين أخبروه أن النظام لا يسمح بتدخله مادياً فكتب على المعاملة: (إذا صرفت نظاماً فهذا ما جميل وإن لم يكن فلتصرف من جيبي). |
ثم عرج على مواقف طريفة لهما وعن موقف في إسبانيا حيث لم يجدوا سكناً وبعد محاولات تحدث الناصر مع موظف الاستقبال وقال: (نحن أهل الدار وأحفاد طارق والله لتجدن لنا سكناً) واستعاد حكايات مع تاريخ إسبانيا ومع أبي عبدالله الصغير تحديداً. |
واختتم القاضي حديثه بقصيدة (غرناطة) لنزار قباني متذكراً تأثر الناصر بها في وقت مضى ومنها: |
في مدخل الحمراء كان لقاؤنا |
ما أطيب اللقيا بلا ميعادِ |
عينان سوداوان في حجريهما |
تتوالد الأبعاد من أعادي |
هل أنت إسبانية؟ ساءلتها |
قالت وفي غرناطة ميلادي |
غرناطة وصحت قرون سبعة |
في تينك العينين بعد رقاد |
وأمية راياتها مرفوعة |
وجيادها موصولة بجيادي |
ما أغرب التاريخ كيف أعادني |
لحفيدة سمراء من أحفادي |
|
يا ليت وارثتي الجميلة أدركت |
أن الذين عنتهم أجدادي |
عانقت فيها عندما ودعتها |
رجلا يسمى طارق بن زياد |
وكانت الكلمة من بعد للدكتور معجب العدواني وقال: (إن من حسن حظي أن أتحدث في مناسبتين تكريماً للناصر، فقد شرفت بإلقاء كلمة في الحفل الكبير الذي أقامه الطلاب المبتعثون ببريطانيا وإيرلندا). |
وقال مختتماً: (لعلي أكتفي هنا بما أورده هنري ديفيد إذ يقول: (إن لغة الصداقة لا تشكلها المفردات لكنها تتشكل من المعاني)، فالمفردات مهما قلت - يا صديقي- لا تكفي لنقل كل ما لدي من معان للمحبة والوفاء). |
ولأنها ليلة شعر فقد احتفت بالشعر كما احتفى بها وكان للشعر العامي - النبطي نصيب مع الأستاذ عبدالله السعدان في قصيدة منها: |
سلام يا جمع الثقافة والآداب |
سلام ما صاح الرعد والبروقي |
ياللي جمعتونا أخلا مع أحباب |
مقالكم وسط الجريدة يروقي |
حيوا معي صقر غزا وعاد كساب |
من صلب جدي ومن قرايب عروقي |
|
طلاب لندن مع أمريكا لهم طاب |
وصدورهم عقبه حزن مع حروقي |
بالله عليكم ويش جانا معه جاب؟ |
جاب الشكر والمدح كله وفوقي |
ويستمر الشعر- مع كونه لم يغادر مطلقاً - وقصيدة للشاعر عبدالله الزيد بدأها بقوله: |
ما جئت أظهر حكمتي وأباري |
وأقيم في ساح البيان جداري |
ما جئت أسبغ منتهى شعريتي |
حتما.. وأستشفي لظى أشعاري |
أبقيتُ خلف متاعبي تعويذتي |
وكتبتُ وِرداً في ندى أسحاري |
هل قلتُ إني لا أقارع من أتى |
يبغي مقاماً في شذى أوتاري |
هذا هو المفهوم فيما لم أقل |
إذ أدلج المنطوق في إضماري |
|
حتما.. سأتلو منتهى شعريتي |
وسياق شعري مغرم بمداري |
أشعلتني ببدايتي ونهايتي |
وأقمت بين قصيدتي وشعاري |
ونستمر مع الدكتور عبدالله المعطاني الذي أكد حضوره من جده موضحاً قرب المسافة قياساً بمن قطعت له وليلقي بدوره قصيدة عنونها ب(عودة البحار) وافتتحها بقوله: |
يا راكب البحر أشجيت المحبين |
شابت لياليك أم شابت ليالينا |
تزهو بك الريح والأضلاع خافقة |
كأنها راية في شهر تشرينا |
رجعت تحمل أشواقاً وحمحمة |
بعزف قيثارة الأمجاد تشجينا |
سهوت عن مركب الأيام في زمن |
تجاوزت من سني العمر عشرينا |
تاهت بك البيد في أعماق مهجتها |
عصارة الحب ترويها وتروينا |
ونستمر مع الوفاء لتكون كلمة للأستاذ عبدالرحمن الناصر الذي أكد أن الحضور يستقبلون الحياة أجمل ما تكون الحياة وتحدث مثنيا ومعتزا بعبدالله الناصر، مشيراً إلى الافتخار بالوطن وبإنجازات رجاله مؤكداً أنه ما كان ينوي البقاء بل أراد السلام فالمغادرة ولكنها جلسة لا تقبل المقارنة ولذا فلا يصح التفريط إذ لا تعويض.. |
ويأتي الدور على فارس الأمسية الأستاذ عبدالله الناصر فيأبى إبراهيم التركي أن يكون التقديم لكلمته عادياً فلا يصح العادي مع الاستشناء ويردد التركي بلسان كل أصدقاء الناصر: |
افتح فضاءك صوب نجم لم يغب |
|
رغم انحسار المد في الأرض اليباب |
لا تبحثن عن المكان أو الزمان |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
وهذا هو الدور على الفارس ليلقي كلمته ولكن بعد أن يقدموا له هدية تذكارية ويبدأ الناصر كلمته بقوله: (لست أدري بأي لغة أتحدث ولا بأي لغة أخاطبكم ..تتعثر الكلمات ويضعف التعبير أمام هذا النبل الكبير.. لكن الوفاء لا يستغرب من أهله ولعل خير قول لي هو قول الله سبحانه وتعالى: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ} فمثل هذا الوفاء هو نعمة من نعم الله سبحانه). |
وأضاف: (إذا كان جرير يقول : |
كاد الهوى يوم سلمانين يقتلني |
|
فأنا أقول: كاد الوفاء في هذا اليوم يقتلني.. تغربت طويلاً لكن كنت دائماً في غربتي موجوداً في هذا الوطن في عيون أحبتي.. والغربة الحقيقية ليست غربة الأرض النائية ولكن الغربة أن تكون بلا وطن |
أصافح الليل مصلوبا على أمل |
ألا أموت غريبا ميتة الشبح |
وأنا أسافر وأرحل ووطني بقلبي وأضاف: (وإذا كان الغرب يتفوق علينا علمياً فنحن ما زلنا نحافظ على هذا الوفاء وهذا الجمال واحتفاؤكم بي وحرصكم هو رأس مالي وما عداه فهو هباء تذهب به الريح). |
وأضاف: (ولست أستغربه منكم: أحمد الصالح: الوفاء يمشي على قدميه والغذامي: صنديد في كل شيء حتى في وفائه وما أجمل الوفاء في الأقوياء والقاضي: ريحانة الأصدقاء أبيض القلب.. أبيض الفعل.. أبيض الضمير وهو والشاعر عبدالله الزيد قدماني إلى الكتابة والصحافة والتركي: يجمع كل تلك الخصال النبيلة: الصدق والوفاء والإبداع).. وأشار لعدد من الحضور مثنياً وشاكراً وممتناً ومعتزاً بكل الحضور واختتم بقوله: (الأسماء مسطورة في قلبي حتى لو آتي عليها كلها وشكراً للأوفياء والنبلاء وشكراً لهذه الأرض التي مثلما تنبت بالنخل والشيح فهي تنبت بالشعراء والأدباء الأوفياء). |
وتنتهي الأمسية مليئة سعادة ورضا كما ابتدأت شغفاً ولهفة وتنتهي أمسية لتدعو أختها فتكريم شخص بحجم عبدالله الناصر سيستمر طويلاً وسيبقى ما بقي الوفاء. |
وسيظل الحضور النخبوي الكبير وفيه معالي الشيخ عبدالعزيز السالم والدكاترة المرزوقي والهدلق والجلال والثنيان والسالم وآخرون رمزاً لقيم الوفاء التي لا تقبل الزوال. |
|