حين دعا إبراهيم الخليل لمكة بدعاءٍ قرآني، كان يجمع فيه كل أدعية يحتاجها الإنسان في حياته، {رَبِّ اجْعَلْ هََذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ}، فالجعل هنا: التحول والصيرورة إلى الأمن وتوفر الثمرات. والثمرات لا تنحصر في المطعم والمشرب فحسب، وإنما كل ما يتناوله الإنسان هو ثمر، فالملبس والمركب والمسكن ثمر، وكل ما به خيرٌ، فهو ثمر من الثمرات.
ربطٌ لغويٌ يشتمل على منافع الإنسان في كل مناحي الحياة، فكلما فقد الأمن فقدت الثمرات، وكلما فقدت الثمرات فقد الأمن، معادلةٌ بسيطة، وترابط بين أهم عنصرين غذائيين، غذاء الأمن وغذاء الثمرات.
فالمرء العاجزُ عن الأمن لا يحصل على الثمرات بقدر إسعافه وسد حاجاته، كذا هو الذي يفقد الثمرات، ترميه نفسه إلى الاعتداء على أمن الدولة أو أمن نفسه، بأن يتخذ طرائق غير مشروعة، بسلب أو سرقة أو كسر العزة واستصغار النفس.
الأمن يحقق السمو والارتقاء، وبدونه يحصل الشتات والانحدار، فالتطور بكل فنونه، من صناعة وثقافة وتعليم، يشترط الأمن شرطًا مهماً.
وحين ينشغل المرء بقوته ولا يكاد يحصل على ما يسد رمقه، أو لا يجد سقفًا يستتر تحته، فإن عطاءه سيخبو وتكل يده، لأن القوة ضعفت والهمة انضوت. فلا يقدِّم لوطنه كالذي توفر لديه أمن وثمر.
التاريخ يروي لنا شعوباً ودولاً انبجست منها عيون الثمرات، وروت بطون أهلها وادخرت لهم سبلاً عديدة في الإشباع من كل أنواعها، لكنها فقدت من أيامها ولياليها، العنصر الآخر عنصر الأمن، ففقدت ثمراتها ومنابعها، ودولاً حققت الأمن لكنها لم تحقق لشعوبها الثمرات فانهار الأمن وتشققت جدرانه.
الدعاء القرآني ببياناته اللغوية، وجهنا لدعاءٍ نحتاجه في كل ساعة، لأن الأمن في البلاد وتوفر الثمرات، عائد لكل مَنْ يتنفس هواءه ويدب برجله على أرضه.
www.ngedan.com