Al Jazirah NewsPaper Thursday  08/05/2008 G Issue 13006
الخميس 03 جمادى الأول 1429   العدد  13006
عبقرية اللغة العربية 2-3
أ.د. عبدالكريم محمد الأسعد

عَرَّفَ الصرفيّون القلب المكاني في الكلمة المفردة بأنه نقل الحرف من مكانه في الكلمة إلى مكان آخر فيها، وذكروا أن أكثر هذا القلب يكون بتقديم أحد أحرف الكلمة على ما قبله مباشرة، ورأوا أنه لابد في هذا القلب المكاني من وجود مناسبة بين معنى اللفظ المقلوب ومعنى اللفظ المقلوب عنه.

وقد سمي القلب المكاني بهذا الاسم تحرزا عن القلب الإعلالي المتمثل بقلب الياء والواو أيضا - وجميعها من حروف العلة - لتحرك كل منهما وانفتاح ما قبله في نحو باع وقال وأصلها بيع وقول لأنهما من البيع والقول.

وتتمثل صور التغيير الممكنة في القلب المكاني بين الحروف في الكلمة الواحدة (وجلها صور مسموعة عن العرب) بما يأتي:

1- تقديم اللام على العين نحو (نَاءَ يَنَاء) في (نَأَى يَنْأَى) والماضي المقلوب (نَاَء) بوزن (فَلَحَ)، وهذا النوع هو أكثر ما سمع عن العرب في القلب المكاني.

2- تقديم العين على الفاء نحو (أيس على وزن عفل) من (يئس على وزن فعل) وقد سمع هذا كثيرا عن العرب.

3- تأخير الفاء عن العين واللام نحو (الحادي) على وزن (العَايف) وأصله (الواحد) على وزن (الفاعل)، والمقصود من (الحادي) هنا العدد وهو بخلاف (الحادي) الذي يحدو الإبل ويسوقها فهذا لا قلب مكانيا فيه، وقد سمع أيضا هذا النوع من القلب عن العرب كثيرا.

4- تقديم اللام على الفاء والعين نحو (أشياء على وزن لفعاء) وقد سمع هذا كثيرا عن العرب.

5- تقديم اللام الأولى في الفعل الرباعي على العين وهو مسموع عن العرب بقلّة نحو (طَأْمَنَ) ووزنه (فَلْعَلَ) وأصله (طَمْأَنَ) على وزن (فَعْلَلَ) من الطمأنينة.

6- تقديم اللام على العين والفاء في الفعل الثلاثي وهو وزن (لَعَفَ) ولم يسمع هذا عن العرب.

ويعد الميزان الصرفي معيارا لفظيا اصطلح الصرفيون على اتخاذه من أحرف (ف ع ل) ليزنوا به الكلمات التي وقع فيها قلب مكاني والكلمات التي وقع فيها قلب إعلالي على حد سواء، وهذه الأحرف تشكل كلمة واحدة مكونة مما يسمى فاء الكلمة وعينها ولامها، وهي محل هيئة الموزون، والغرض من عملية الوزن أن نعرف عن طريق الميزان أصول الكلمات وما طرأ عليها من زيادة وما اعترى حروفها من تغيير بتقديم أو تأخير أو حركة أو سكون أو حذف بأقصر عبارة تسهيلا على المتعلم.

وقد اختيرت في البداية أحرف (ف ع ل) للوزن الصرفي فيما يكثر فيه التغيير من أبنية الكلم وهو الفعل المشتق والأسماء المشتقة المتصلة بمعنى الفعل كاسمي الفاعل والمفعول وصيغ المبالغة والصفات المشبهة مثل نصر وناصَرَ وناصِر ومنصور ونصّار ونصير المشتقة جميعا من المصدر الجامد (نَصْر)، ثم استعملوا بعد ذلك الوزن ب(ف ع ل) في الأسماء الجامدة الخالية من معنى الفعل كرجل وجعفر وسفرجل ونحوها.

وقد رد الجار بردي اختيار هذه الأحرف الثلاثة للوزن الصرفي إلى أن لفظ (فعل) اسم من جميع الأفعال والأسماء المشتقة التي هي بمعنى الأفعال، يتمثل هذا في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ} أي مزكون، وقوله تعالى: {قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ} والمشار إليه في الآية هو كسر الأصنام.

وأما وجه كون الميزان الصرفي ثلاثيا فلأن أكثر الكلمات العربية بنيت على ثلاثة أحرف، وذلك أقل ما يوضع عليه الاسم المتمكن والفعل المتصرف، وما ورد من هذين أقل من ثلاثة أحرف فقد حذف منه حرف أصلي لمجرد التخفيف (كغدَ في غَدْوٍ ويَدٍ في يَدْيٍ) أو لعلة صرفية نحو (صُمْ في أُصْوُم) و(عِدْ في إِوْعِدْ) و(عِدَه في وِعْدَه).

وللوزن التصغيري كيفية أخرى مختلفة عن الوزن التصريفي، ففي الثاني تقابل حروف الموزون الأصلية الثلاثة بالفاء والعين واللام بالصورة التي يكون الموزون عليها من حركة وسكون وغيرهما، ولا تكون في الوزن التصغيري هذه المقابلة، ذلك أن أوزانه ثلاثة لجميع الأسماء المصغرة مجردها ومزيدها وهي (فعيل وفعيعل وفعيعيل) فقمير مثلا تصغير قمر وزنه التصغيري ووزنه التصريفي واحد هو (فعيل)، وأحيمر تصغير أحمر على زنة (فعيعل) في التصغير وعلى زنة (أفيعل) في التصريف، وعصيفير وقنيديل تصغير عصفور وقنديل على وزن (فعيعيل) في التصغير وعلى زنة (فعيليل) في التصريف، ويقاس على هذا غيره.

وإذا كان الموزون بالوزن التصريفي مكونا من أربعة أحرف أصلية فإننا نضع في الميزان لاما واحدة نحو بعثر وثعلب ووزناهما فَعْلَلَ وفَعْلَلٍ، وإذا كان مكونا من خمسة أحرف فإننا نضع في الميزان لامين نحو فرزدق ووزنه فَعْلَّلْ، وإن كانت الزيادة عن ثلاثة أحرف بتكرير حرف من الأصول للتضعيف عبرنا في الوزن التصريفي عن ذلك الزائد بحرف من جنس المكرر نحو عظم وحليب وهما على وزن فعل وفعلل، وإذا كانت الزيادة من حروف (سألتمونها) أو من حروف (هناء وتسليم) قوبلت الأصول في الوزن التصريفي بأحرف (ف ع ل) وعبر عن الزائد بلفظة، فقائم على زنة فاعل، ومعلوم على زنة مفعول، وأقبل على زنة أفعل، وتبعثر على زنة تفعلل، وقد أسكنوا من هذه القاعدة الحرف المبدل من تاء الافتعال فإنه لا ينطق بلفظه بل بأصله فيقال في وزن ازدرد واصطفى افتعل وليس افدعل وافطعل، وهذا هو رأي ابن الحاجب المتوفى في 646، وخالفه الرضي الاسترابازي المتوفى في 686هـ الذي جوَّز أن يقال في وزنهما افدعل وافطعل، أما ما حدث فيه قلب مكاني من الكلمات فإننا إذا أردنا وزنه صرفيا نغير في أحرف الميزان تبعا لتغير الموزون أي يجب أن يحدث مثل هذا القلب في أحرف الميزان الصرفي أيضا، والحال غير ذلك في القلب الإعلالي، ففي هذا القلب لا تتغير صورة الميزان، (فقال مثلا أصلها قول على وزن فعل) ويبقى هذا الوزن نفسه لقال بعد إعلالها بقلب واوها ألفا، وهذا هو الراجح، وأجاز بعضهم الوزن على البدل، وعليه تقول (إن قال بزنة فال).

وقد يجتمع القلبان المكاني والإعلالي في كلمة واحدة كما حدث في كلمة (جاه) بمعنى القدر والمنزلة، وأصل هذه الكلمة (وجه) على وزن (فعل) ثم حصل فيها قلب مكاني بتقديم العين الساكنة على الفاء المفتوحة فصارت (جْوَه) بتسكين الجيم ثم حركت الجيم الساكنة بالفتحة لأنه لا يبتدأ بساكن, واختيرت الفتحة لخفتها فصارت (جَوَه) ثم قلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها وهذا هو القلب الإعلالي.

* أستاذ سابق في الجامعة



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد