تحدث ثمة تحولات مختلفة تشمل كافة مناحي الحياة ومعطياتها المختلفة سواء في مجال أنماط سبل العيش أو المعطيات السلوكية والثقافية أو معطيات العصر في مجال الآلة والتقنية والتي أصبحت حاجة ملحة في حياة الإنسان المعاصر والتي وظّفها الإنسان في مجالات حياته المختلفة وأصبح يعتمد عليها وقد يجد صعوبة في مواصلة ركضه في مشوار الحياة بدون هذه المعطيات العصرية. هذه الفرضية التي أصبحت واقعاً معيشاً في حياة اليوم لا تقتصر على جزئية، بل إنها غطت كافة جوانب حياة الإنسان المعاصر، وفي السياق التشكيلي نجد أن الفنان التشكيلي لم يكن بمعزل عن مسايرة الركب، بل بادر هو الآخر إلى التماشي مع هذه التحولات المتلاحقة مما انعكس بدوره على نتاجه ومنجزاته الفنية سواء في مجال التكنيك أو المضامين والرؤى أو اللمحات الجمالية التي تتبدى من خلال أشكاله وعناصره ومساحاته اللونية وخلاف ذلك من مقومات المنجز، ومن هنا أيضاً جاءت بعض المشاهد البصرية التي عرضت مؤخراً زاخرة بمؤشرات لمثل هذه التحولات التي ربما جاء بعض منها مسايرة للموجة ودون وعي تام وكامل بمدلولاتها وبالأثر الذي من المفترض أن تتركه في نفس المتلقي أياً كان.
إلا أنه على الرغم من غزارة هذه التحولات سواء في مجال النص أو السلوك أو البيئة إلا أن الموروث الشعبي بكافة معطياته وصوره وأشكاله وأصالته وشواهده لا يزال حاضراً وبكل ثقة وقوة بما يؤكّد أصالته والأثر النفسي والاجتماعي والسلوك الإيجابي الذي يتركه في نفس الرائي والفنان التشكيلي سواء هنا أو هناك وفي كل أرجاء الأرض لا يزال ينهل وبكل شغف من موروث وتراث وطنه الأم وبالتالي فهو لا يزال يوظّف معطياته الفنية والتقنية في نقل وتأكيد وتأصيل هذا التراث المتمثّل في الحياة الشعبية البسيطة وأنماط العمارة والحرف الشعبية والتراثية وصور الحياة الاجتماعية بكافة صورها وأشكالها بما يحفظ للأجيال الاطلاع والإلمام بماضي وحضارة وتراث وتاريخ أوطانهم، ومن هنا فإن الفنان الأصيل الواعي بمنجزه وبدوره الفاعل في مجتمعه قادر ومن خلال مخزونه الفكري وثقافته ووعيه وقدراته الفنية، قادر على أن يستفيد من كل المعطيات العصرية المتلاحقة، وقادر أيضاً على توظيفها بما يخدم العمل نفسه والعملية الإبداعية برمتها بما يحفظ له أصالته وهويته على الرغم من كل هذه التحولات الحياتية الهائلة.
بقي أن أشير إلى أن الموروث الشعبي بكل معطياته يظل النبع العذب الذي ينهل منه الفنان التشكيلي وفق توظيفات وتقنيات ومشاهد واعية تتواءم مع المرحلة والنقلة الهائلة التي يشهدها العصر على كافة الأصعدة.
شكراً لكم أنتم.