تقاس حضارة الأمم وتعتمد على تقدم العقل البشري والعطاء الإنساني فيه، وذلك بمدى التقدم الاجتماعي والعلمي والثقافي والتطور الاقتصادي والصناعي والأبحاث الطبية، وبناء المصانع الإنتاجية الثقيلة والدقيقة ومواكبة التطور في الصناعات الإلكترونية وعلم الفضاء وأعماق البحار.. الخ.
وبما أن الجميع يعرفون أن ديننا الحنيف يدعو للنظافة، لأن النظافة من الإيمان فإن الواجهة الحقيقية لحضارات الشعوب وتقدمها هي في المحافظة على نظافة تلك البلاد.
ولقد أعطت حكومتنا الرشيدة للنظافة ما تستحقه من اهتمام بالغ للرفع من مستواها والتحسين في أدائها والتأكد من تنفيذها بالمستوى الذي ننشده جميعاً. وإذا أخذنا مدينة واحدة فقط كمدينة الرياض كمثال على اهتمام الدولة بأمور النظافة بما في ذلك التخلص من النفايات وفق طرق مأمونة وسليمة وترحيلها إلى مرمى النفايات حيث يتم التعامل معها بالدفن. ويتم ذلك من خلال تجميع النفايات من قبل ثمان شركات، يدفع لها في حدود 15 مليون ريال في الشهر الواحد، أي أن تكاليف النظافة في حدود حوالي 180 مليون ريال سنويا لمدينة واحدة فقط.. فما بالكم بما يصرف من قبل الدولة على المدن والقرى الأخرى.
ولمعرفة حجم العمل، فإن مدفن النفايات يستقبل أكثر من 11 ألف طن من النفايات والمخلفات يومياً كما يتم تفريغ أكثر من 2000 حاوية وبرميل نفايات يوميا ويستخدم أكثر من 2000 آلية ومعدّة لمختلف أعمال النظافة كما يدخل مدفن النفايات أكثر من 1600 عربة نقل نفايات، حيث يتم تجميع كافة النفايات والمخلفات ما عدا النفايات الطبية والصناعية والخطرة في مدفن النفايات للتخلص بطريقة صحية آمنة من خلال طمر هذه النفايات ودفنها في طبقات محددة تسمى خلايا.
ومع تلك الجهود الجبارة لجعل مدننا نظيفة، لكنني أتذكر أنني ذكرت في مقال بعنوان (أخطار التخييم في الصحراء) الذي نشر في جريدة الجزيرة بتاريخ 27 مارس لعام 2008، ما يلي:
(قد حز في نفسي ما قاله لي أحد الأجانب في يوم من الأيام، بأن السعوديين غير متحضرين، وعندما سألته لماذا؟ قال: زرت وديانا كثيرة في الجزيرة العربية في كل من السعودية وبعض الدول الأخرى، فهل تصدق أن وديان المملكة وبراريها من أقذر الوديان والبراري في الجزيرة العربية، وأن أغلب من يرتاد الصحراء والبراري من السعوديين والوافدين يتركون مخلفاتهم في المكان الذي يخيمون فيه. وعندما انتهى من حديثه، لم أستطع أن أدافع عن تحضر بعض السعوديين. لذلك يا إخوان، لتحسين صورتنا أمام الآخرين ولنحافظ على نظافة بلادنا وعدم خدش كرامتنا، ووصفنا بأننا غير متحضرين، علينا أن نحرص على نظافة صحاري وبراري ووديان بلادنا الحبيبة).
وبالطبع، لا يرضى بذلك كل غيور على هذه البلد المعطاء من مسؤول أو مواطن أو وافد يعمل فيها لأن بعضهم يعتبر المملكة بلده الثاني. ومن أجل تقديم أفضل الخدمات البيئية السليمة للمواطنين والمقيمين فقد جندت أمانة مدينة الرياض كافة طاقاتها وباهتمام بالغ من خلال تكثيف أعمال النظافة في كافة المواقع المخصصة للمتنزهين ومن خلال فرق عمل مخصصة لأعمال النظافة تقوم بالتنظيف والتقاط المخلفات وإزالتها، كما تم توزيع منشورات توعوية على المتنزهين تحث على النظافة إضافة إلى توزيع أكياس نفايات وبأحجام مختلفة لحفظ النفايات وعدم رميها في طرقات المتنزهين.
وبالتالي أتقدم بشكري لجميع القائمين على حملة المليون التوعوية، التي انتهت فعالياتها يوم 27 من أبريل 2008، لنظافة البيئة البرية تحت شعار (بر بلا نفايات)، حيث غطت حملة النظافة عددا من مواقع التنزه البرية في الثمامة وعلى مساحة أكثر من (20) مليون متر مربع، التي تشهد إقبالا كبيرا من المواطنين والمقيمين، حيث ركزت على جمع النفايات المتناثرة في مواقع التنزه بالإضافة إلى توزيع نشرات توعوية وأكياس النفايات الكبيرة والصغيرة على المخيمات والمتنزهين وأن إجمالي ما جُمع من أكياس نفايات طوال فترة الحملة (17.6) طن.
تصوروا (17.6) طن من النفايات، تركها المتنزهون في أماكن تنزههم في منطقة صغيرة من بلادنا، فما بالكم بكل المناطق؟ الغريب أن عقلي لا يتصور وجود أشخاص في بلادنا لا يبالون بنظافة بلادهم، وبما أنني لا أتصور وجودهم، فاسمحوا لي أن أصف من يوجد منهم، بأنهم أفراد انعدم لديهم الحس والغيرة الوطنية، أفراد لا تعرف الأصول، إذ كيف تترك هذا القدر من النفايات، وأين تتركها، في أماكن تنزههم.
لكن هل نلومهم أم نلوم بعض الجهات في حكومتنا، والتي لا تضع قوانين وعقوبات رادعة، لكل من يعبث بنظافة بلادنا، ولذلك أتوجه للوالد صاحب السمو الملكي الأمير متعب بن عبدالعزيز وزير الشؤون البلدية والقروية، بعمل خطط دائمة ومبتكرة، لنظافة المدن والقرى والضواحي والبراري، والوديان، أي نظافة كل شبر من أرض من بلادنا الحبيبة ولا تقتصر النظافة على المدن والقرى فقط، وبودي أن يكون في عقد كل شركة نظافة، تنظيف محيط 50 كيلومتر على الأقل حول المدن والقرى. كما يعين شخص يعرف بحزمه (أقشر)، لمراقبة تلك الشركات في كل أمانة وبلدية، ويقوم بتغريم أي شركة تتهاون في أداء واجبها، فلا تنفذ بنود العقد بكل دقة.
وكذلك التنسيق مع بقية أجهزة الدولة بالمشاركة في حملة وطنية مستمرة وأكرر مستمرة لنظافة بلادنا، أنا لا أريد حملة نظافة تنتهي بعد أسبوع أو شهر، (وترجع حليمة لعاداتها القديمة).
يجب أن تكون هناك شفافية وطنية، وأن يكون هناك خطط مستمرة، لنظافة بلادنا، خطط تنفيذها يأخذ في الاعتبار أنها لا تتطلب أموالاً كثيرة، لأننا لو طلبنا أن تقوم شركات بتنظيف كل شبر في بلادنا، فإن ذلك سيتطلب ميزانيات هائلة، وسيقول لكم وزير المالية (آسفين، هناك أولويات أخرى) وستموت تلك الخطط، وتهبط الهمم، وستظل القذارة تملأ بلادنا لأبد الدهر، ولذلك علينا التفكير بأهمية أن نقوم بعملية مستمرة لتنظيف بلادنا، تقوم كل جهة بتنفيذ بعض الخطط التي لا تكلف إلا مبالغ بسيطة.
من فضلك -أخي المواطن والوافد- أحمل معك عند تجولك في البراري أكياس نفايات وقفازات لتلتقط فيها ما تقدر عليه من نفايات من المكان الذي تقصده. تصور لو كل واحد منا قام بذلك، لأصبحنا جميعا أصدقاء البيئة، لتبقى نظيفة جميلة للأجيال القادمة، إنه واجب على كل فرد من أفراد أي عائلة أن ينبه الآخرين، بما يجب عمله، فإن الذكرى تنفع المؤمنين. انشروا الوعي البيئي بينكم، لا تتقاعسوا، لا تصبح مثل هؤلاء غير المبالين، تذكروا قصة رامي البذور، وكونوا عونا للدولة، ولا تكونوا عبئا عليها، كونوا العين الثانية للدولة، ونبهوا.
وأخيراً أشكر أمير الرياض الحامل لهمومها ومذلل صعابها، وأمين عاصمتها وفقه الله وسدد خطاه، ورجاله الذين يعملون على نظافتها، كما أشكر القائمين على إدارة كل المدن الأخرى، التي قامت بعمل مماثل، وأناشد الجميع بضرورة الاستمرار الدائم بالحفاظ على نظافة مدنهم وقراهم وبراريهم. وعليهم التعاون بوضع الخطط التي تعتمد أساساً على العمل التطوعي لخدمة بيئة بلادهم.
Abdulmalikalkhayal@hotmail.com