الثقافة كما عرفها الأوائل، هي الأخذ من كلِّ علم بطرف، وهذا الأخذ لا يعني النقل المجرّد، بل يعني الوعي والإدراك بمعاني كل ما يأخذه المثقف من تلك العلوم، وأن يهضمها عقله بكلِّ تفاصيلها الدقيقة، لتكون دافعاً له في طريق الإبداع في أي مجال يتخصص به.
والشاعر من أحوج أهل الإبداع للثقافة بمعناها الراقي الذي ذكرت طرفاً منه آنفاً .. لكن ما نراه من نقل مصطلحات وعناوين أحداث وقصص وذكر رموز محدّدة، لا يعني بالضرورة أنّ ذلك الشاعر مثقف، خاصة إذا جاءت على طريقة (الحشو) العشوائي .. فالشاعر المثقف هو الذي ينفرد بأسلوب شعري راقٍ، لا تظهر فيه آثار التكلُّف في البناء، ولا التثاقف في المعنى، لأنّه في هذه الحالة يكون مجرّد ناقل لأحداث قد لا يدرك خفاياها، لكنه قرأ أو سمع فنقل، ووجد من يطبل ويزمر له على أنّه مثقف الشعراء وشاعر المثقفين، وهو بريء من تلك الصفات أو هي بريئة منه، لأنّه مجرّد ناقل وقد لا يعي خطورة ما ينقل، لأنّه لم يستوعب معاني تلك المصطلحات الاستيعاب الواعي .. ووجد من هو على شاكلته في فهم الثقافة الشعرية أو الشاعر المثقف، فاختلطت الأوراق في ذهن المتلقِّي.
متابع