شرم الشيخ...... هذه المدينة الساحلية الفاتنة التي رصفت شواطئها بمرجان الفرح والدهشة.
طرت إليها وأنا أحمل ذاكرة حذرة قد أضمرت بعض الأوجاع التي تكابدها قاهرة المعز, حيث الزحام والوجوه المتعبة التي تشهق في وجهك منذ لحظة الوصول فلا تعرف لموجها البشري المتوالي بداية أونهاية.
وحيث الزحام وشح الخدمات, والدمار البيئي الذي يقرض النيل ويجهز على عرائسه فلا يبقي إلا التماسيح.
جميع هذا كان يجول في ذهني والطائرة تجول فوق شرم الشيخ.
لكن لم يكن المطار وحده هو الابتسامة الناصعة لهذه المدينة, ولكن كل خطوة تأخذنا إلى الداخل, تخبرنا أن الفينيق المصري اختار شرم الشيخ كقاعدة لينطلق منها إلى غده مخلفا بالعاصمة الفاطمية المكلومة جميع ندوبه وأوجاعه, ليهرول متحلالا من الحجارة التي تثقل رسغه, محلقا من رماده بروح التحدي ومخاتلة المستحيل.
من ضمن التداعيات التي طرأت على ذهني أثناء فترة مكوثي بها إنه إذا كان السد العالي هو رمز المرحلة الناصرية, وعبور 73 هو صولجان المرحلة الساداتية, فإن شرم الشيخ هي أيقونة المرحلة المباركية.
جميع الملامح التي اختارتها مصر لسياستها منذ عشرين عاما بعد أن أدارت ظهرها للشعارات الناصرية المنهكة وانطلقت تسعى في خطواتها التي تجرب ممرا آخر للوصول إلى أرض المستقبل.
فهناك ملايين السياح من جميع أقطار العالم تسكبهم الطائرات بصورة متصلة على الشواطئ, وتنثرهم على المقاهي هناك, بعد أن استطاعوا أن يوفروا البنية التحتية لصناعة سياحية ماهرة.... يحاولون بروح مطوقة بالحماس, والرغبة في قطف أفضل ماهو موجود في البستان العالمي للسياحة يقدمون خدماتهم بشكل مهني ودود ومهذب, وخال من اللزوجة والإلحاح القروي.
بالتأكيد المشاريع والمنشآت لاتملك تلك الفخامة (7 نجوم) التي تحاول دبي أن تبهر بها العالم, لكنها بالتأكيد ودودة حميمة بنكهة مصرية, ووجوه تلوذ بالمدينة كمشروع حلم...بعيد عن القاهرة وأبي الهول....ومصر القديمة التي يبدو أن الأمور داخلها قد تفلتت وباتت عصية عن السيطرة.
البحر هناك الذي ابتلع جميع السفن والفرقاطات الحربية التي كانت تمخره قبل سنوات قليلة, وغفر لجميع الأساطيل التي كانت تلوثه ذنوبها, عاد بلوريا فيروزيا متعة الغوص تحت لججه تمنح أجمل المناظر في العالم.
قد يمضك في بعض الأوقات وأنت هناك أن شرم الشيخ تفتقد الحراك الثقافي والفكري الذي يلتهب في القاهرة المكتبات والمتاحف والمسارح ودور السينما الصحف والمجلات...... لكن لعلها تفر من هذا كله, ومن ثرثرة طويلة اقتنصت العالم المصري طويلا في أحابيل الشعارات والكلام, بعيدا عن أطياف مشروعها النهضوي المندثر.
شرم الشيخ تنسدل بدعة أسفل سيناء حيث التاريخ المدجج بالوصايا والنيران والوادي المقدس تلوح كنسمة بحرية عليلة اختارت أن تمنح زوارها بعض من ملامح....مصرالجديدة.