أثناء تصفحي لصحيفة الجزيرة أثار انتباهي خبر تحت عنوان (ضمن عطائه المستمر)، يحكي عن مبادرة جديدة للأمير سلطان بن فهد بن عبدالعزيز؛ حيث قام سموه بدعم بحوث علمية لمراحل التصنيع النهائي لإنتاج مبيدات عضوية بديلة عن المبيدات الكيميائية. وللعلم لم يُثِر انتباهي مجرد الدعم بحد ذاته، بل بالعكس؛ فقد أصبح الدعم من سمو الأمير سلطان بن فهد بن عبدالعزيز أمراً طبيعياً، وقد اعتدنا عليه من سموه ومن جميع أفراد الأسرة الحاكمة بلا استثناء؛ فهم سبَّاقون إلى الأعمال الخيرية والأعمال الجليلة المفيدة للشعب السعودي والشعوب العربية والإسلامية بل للعالم أجمع. ولكن ما قام به سموه من الدعم لهذه الأبحاث سوف يكون له الأثر الإيجابي على صحة شعوب وإنقاذ نشء وأجيال على مر العصور القادمة بتوفير المياه النظيفة التي نشرب والأراضي الخالية من السموم التي نزرع وتوفير الهواء النقي الذي نستنشق وإتاحة الغذاء النظيف الذي نأكل، وكل هذا سوف يتوافر باستخدام المبيدات العضوية والاستغناء عن المبيدات الكيميائية التي هي السبب الرئيسي في تدمير وتلويث التربة والمياه والغذاء. ورغم مسؤولية سموه الكبيرة وهو يقود الرئاسة العامة لرعاية الشباب بكل اقتدار إلا أن سموه وجد الوقت واستشعر حجم المشكلة بعد أن أثبتت الدراسات أن هذه المبيدات سبب مباشر للأمراض المستعصية مثل الفشل الكلوي والكبد والسرطان.. وأعتقد أن سموه فهم جيداً الحكمة التي تقول (العقل السليم في الجسم السليم)، وكذلك الحكمة الأخرى التي تقول (الوقاية خير من العلاج). إنَّ البحث عن نظم وتطوير استراتيجيات زراعية جديدة للبيئة أهمها تكنولوجيا الزراعة النظيفة أو الزراعة العضوية الحيوية التي تعتمد على الأسمدة العضوية والمخصبات الإحيائية والمكافحة الحيوية للآفات، هو من أهم الأبحاث التي بدأت تستنير في المملكة العالم.
ونعرف الزراعة النظيفة بالآتي: هي الزراعة بنظام إنتاجي اقتصادي اجتماعي بيئي متكامل يتماشى مع الأسس التاريخية التي اتبعها الإنسان في الزراعة على مر العصور؛ حيث تأكد أن هذا الأسلوب له صفة الديمومة.
ونعرف الزراعة النظيفة أيضا بأنها الإنتاج الزراعي الذي يتجنب فيه استخدام المواد الكيميائية وخاصة المبيدات. وقد يتصور الكثيرون أن أساليب الزراعة النظيفة أسلوب واحد، لكن في الحقيقة لها العديد من الأساليب، ولكن معناها واحد هو النظم الطبيعية الحيوية.
وتعتبر الزراعة الحيوية جزءاً لا يتجزأ من الزراعة النظيفة، وتعتمد الزراعة الحيوية والعضوية على أسس علمية راسخة مما يتعلق بالتوازن الطبيعي في الكون والحفاظ على الموارد الطبيعية من تربة ومياه وعناصر حيوية في إنتاج مزروعات نظيفة.
هذا إلى جانب عدد من العناصر يجب تكاتفها معاً واستغلالها الاستغلال الأمثل في وقاية المزروعات من الأمراض المختلفة، وكذلك الاهتمام بالبيئة والمحافظة عليها من التلوث؛ حتى يمكن أن يكون ذلك بديلاً من استخدام المبيدات.
وتنبع الحاجة إلى الزراعة العضوية والحيوية نتيجة الأبحاث المختلفة التي تمت على عينات مختلفة من الغذاء، ووجد أنها تحتوي على بقايا من المبيدات بنسبة عالية عن المسموح بها، وتوجد معلومات قليلة عن تأثير هذه المواد على المدى الطويل والسمية التي تسببها.
وكان من أهم الانتقادات التي وجهت إلى الزراعة التقليدية الحالية هي:
1- تدهور تركيب التربة.
2- تدهور البيئة الطبيعية والمسطحات التقليدية.
3- أضرار صحية نتيجة تدهور جودة الغذاء.
أما في الزراعة العضوية فالعكس تماماً؛ فمن فوائدها التالي:
1- تقليل التلوث البيئي الناتج عن استخدام المبيدات الكيماوية.
2- تقليل المخاطر الصحية وخاصة لمستخدمي المبيدات.
3- تحسين البيئة والأمن الغذائي والمحصول الناتج.
4- زراعة مستدامة أقل اعتماداً على المدخلات الخارجية.
5- تعيين خواص التربة وتوفير العناصر الغذائية فيها.
6- زيادة التنوع الحيوي.
أما عن مفهوم الزراعة العضوية - وتعرف أيضا بالزراعة الحيوية - فهو بمثابة منهج يتخذ نحو الوصول إلى نظام متكامل قائم على مجموعة من العمليات التي ينتج عنها نظام عضوي متكامل، وتوفير غذاء آمن وتغذية سليمة ورعاية الثروة الحيوانية.
وفي هذا النظام تعتبر خصوبة التربة مفتاح النجاح مع الأخذ في الاعتبار القدرة الطبيعية للتربة والنبات والحيوان كأساس لإنتاج غذاء ذي مواصفات جيدة وقيمة صحية عالية.
والزراعة العضوية لا يستخدم بها الأسمدة الكيماوية والمبيدات والهرمونات، ولا البذور المعاملة وراثياً.
أما بالنسبة إلى الإنتاج العضوي فيعتمد أساساً على:
1- الدورة الزراعية.
2- إضافة الأسمدة العضوية.
3- تزويد العناصر المعدنية.
4- المحافظة على تركيب وخصوبة التربة.
5- الزراعة الميكانيكية.
6- استخدام الطرق الطبيعية لمقاومة الآفات والأمراض.
وتعتبر مواجهة الآفات بالطرق الطبيعية هي أهم التحديات التي تواجه المنتج للإنتاج العضوي، ومن استطاع توفيرها فإنه بعد ذلك يكون من السهل جداً إنتاج المنتجات العضوية؛ حيث إن المواد المنتجة من أصل عضوي التي تستخدم في مقاومة الآفات تعتبر حالياً قليلة في الأسواق المحلية، والكثير منها تحت التجارب والأبحاث، وتحتاج إلى دعم لتوفيرها وتطويرها، وهذا ما فعله صاحب السمو الأمير سلطان بن فهد حفظه الله.
ونود أن نورد بعض الطرق والمواد الطبيعية المستخدمة في مكافحة الآفات الزراعية:
أ- المستخلصات النباتية
وهي المواد المستخلصة من النباتات (الطبية والعطرية والبرية)، وتستخدم في حماية الإنتاج النباتي من الأمراض التي تسببها الكائنات الفطرية والبكتيرية والفيروسية والنيماتودا. ومن الاستخدامات المهمة للنباتات الطبية والعطرية أنها مبيدات حشرية طبيعية لقتل أو طرد الحشرات مثل النييم، وتستخدم في مكافحة الفطريات والبكتيريا الضارة وغيرها من مستخلصات غير ضارة بالبيئة.
ب- الأسمدة العضوية
وهي عبارة عن مخلفات نباتية وحيوانية، مع إضافة بعض المواد الأخرى التي تساعد على تثبيط بعض الكائنات الدقيقة.
تطبيقات استخدام المخلفات الزراعية في مكافحة الأمراض النباتية:
1- مكافحة أمراض أعفان الجذر والذبول في نباتات الخضر والفاكهة.
2- مكافحة أمراض عفن الساق والجذور على بعض نباتات الزينة.
3- إضافة سماد الماشية والأرانب والحمام والدجاج إلى التربة تؤدي إلى إعاقة النمو الطبيعي للنيماتودا.
4- عند إضافة الأسمدة العضوية للتربة تجعل الوسط المحيط بالجذور يميل إلى القلوية ذات الوسط غير المناسب لنمو الكائنات الممرضة للنبات.
5- تشجع على زياد بعض الكائنات الحية الدقيقة مثل الفطريات والبكتيريا والحشرات التي لها القدرة على تحليل البروتين أو مركبات أخرى تدخل في تركيب جزر الكيوتيكل وزوائد جسم الآفات النيماتودية.
6- تكسب العائل صفة المقاومة ضد الأمراض والآفات النيماتودية.
ج- استخدام الكيماويات الآمنة
وتستخدم في هذا المجال جميع الكيماويات الآمنة وغير الضارة للإنسان أو البيئة، وتعتمد طرق مقاومة الأمراض النباتية تحت نظم زراعة النبات بالطرق العضوية الحيوية على منع وصول السبب المرضي إلى الأنسجة الحية للنباتات المنزرعة (الوقاية)؛ حيث إن إمكانيات المواد المصرح باستخدامها تحت هذا النظام محدودة جداً؛ لذلك تعتمد الوقاية على منع حدوث الإصابة.
وتستخدم بعض الكيماويات الآمنة وغير الضارة بالإنسان والبيئة وكذلك المحصول الناتج والمعد للتصدير، وهي التي يطلق عليها بدائل المبيدات، على أساس أنها تقوم بمنع وصول المسبب المرضي إلى العائل وإحداث ضرر، ومن أهمها مضادات النتح.
د- المقاومة الطبيعية
ويندرج تحت هذا المسمى عدد من العناصر التي من الضروري استغلالها الاستغلال الأمثل لوقاية المزروعات من الممرضات المختلفة، وكذلك الاهتمام بالبيئة والمحافظة عليها من التلوث، وهذه العناصر هي:
1- التطهير: وتتم هذه العملية عن طريق بقايا النباتات للمحصول السابق ومقاومة الحشائش وإزالة جذورها والتعقيم للتربة باستخدام التعقيم الشمسي وبخار الماء والحرث العميق والصرف الجيد لإزالة الأملاح.
2- العمليات الزراعية: وتتلخص هذه العمليات باستخدام الأصناف المقاومة والشتلات وبذور خالية من الإصابة واستخدام أدوات تقليم معقمة وإزالة الحشائش واستخدام برنامج غذائي متوازن واتباع دورة زراعية أو الزراعة بدون تربة.
3- المقاومة الطبيعية: وتتلخص في عدة عوامل، منها التحكم في الظروف البيئية المعاكسة مثل تغيير ميعاد الزراعة للهروب من الإصابة أو التحكم في المسافة بين النباتات؛ حيث إن تزاحم النباتات يؤدي إلى سوء التهوية وزيادة الرطوبة، وذلك يؤدي إلى الإصابة المرضية أو تغطية النباتات لوقايتها من لسعة الشمس أو الصقيع.
هـ- المقاومة المستحثة
وهي دفع النباتات لتكوين المواد المسؤولة عن المقاومة قبل حدوث الإصابة وسرعة رد الفعل عند حدوث الإصابة. أما بالنسبة إلى مميزات هذه الطريقة فهي:
1- غير ضارة بالنسبة إلى الإنسان والبيئة.
2- غير متخصصة؛ فهي تفيد بالنسبة إلى الأمراض الفيروسية والبكتيرية والفطرية.
3- ثابتة؛ لأنها تعتمد على نشاط العديد من المواضع الحيوية.
4- ذات تأثير ممتد.
5- ذات تأثيرات إيجابية للنمو الخضري والمحصول.
أنواع المستحثات
1- المستحثات الكيميائية.
2- المستحثات البيولوجية.
3- المستحثات الطبيعية.
آليات المقاومة المستحثة
1- تكوين الإنزيمات المسؤولة عن المقاومة مثل (الشيتينيز - الجلوكاينيز - البيروكسيديز).
2- تكوين الفيتوالكسين.
3- تكوين المواد الفينولية.
4- تكوين الجنين.
5- الإشارة.
أمثلة على استخدام المقاومة المستحثة بنجاح في مقاومة العديد من الأمراض النباتية في مختلف أنحاء العالم:
1- مقاومة مرض الذبول في الطماطم.
2- مقاومة مرض البياض الدقيقي في الخيار.
3- مقاومة مرض الفحة المتأخرة في البطاطس.
وبعد التعرف على الزراعة النظيفة والمبيدات العضوية الآمنة آمل ألا أكون قد أطلت عليكم، ولكن ما كان ذلك إلا لأبين لك يا أخي الكريم مدى سروري بهذا الدعم وفوائده للجميع؛ حيث إني أعتبر نفسي قريباً جداً وملامساً للأخطار التي تسببها المبيدات الكيميائية؛ حيث إني أعمل في مجال الزراعة وأتابع هذه الأخبار المفرحة التي سوف تكون يوماً من الأيام المنقذة لنا جميعاً من المخاطر المتربصة بنا بسبب الزراعة غير النظيفة. وللعلم يا أخي القارئ أحب أيضا أن أضيف وأبيِّن أن حكومتنا الرشيدة ممثلة بخادم الحرمين الشريفين تعمل في جميع المجالات لترسيخ مبدأ الزراعة النظيفة (الزراعة العضوية)؛ حيث إن وزارة الزراعة يوجد بها إدارة متكاملة تعمل وتدرب وتعقد ندوات لصالح ترسيخ ومساعدة المزارعين للعودة إلى الزراعة العضوية.
وأخيرا وليس آخراً، أحب أن أقول لصاحب السمو الأمير سلطان بن فهد بن عبدالعزيز الرئيس العام لرعاية الشباب وأرجو أن يتقبل مني سموه هذه الألقاب وهي (سلطان الشباب أو سلطان الوعي)، بل كلاهما (سلطان الشباب والوعي).
بقلم: المهندس بدر المطيري
مدير المشاريع الزراعية في شركة القصيم