أخيراً استفاقت حكومة المالكي في العراق، وانتبهت إلى الميليشيات الطائفية الإجرامية التي صنعت وأنشأت في زمن الاحتلال، فعناصر الميليشيات الطائفية تدفقت للعراق مع قوات الغزو، وكانت الحدود الغربية (التي كانت البوابة الشرقية) التي تحمي الأمن العراقي والعربي الثغرة التي تدفق منها رجال العصابات. والذي يتذكر ما حصل في البصرة وبغداد والموصل من عمليات نهب وسرقة للوزارات ومؤسسات الدولة بما فيها البنوك والمصارف والمتاحف والمتاجر، وكيف سرق الرعاع والمجرمون ممتلكات الشعب العراقي وخزنوها في المستودعات وبعض الحسينيات، وقد ذكر في وقتها أن الأموال التي سرقت من البنوك والمصارف العراقية هي التي مولت ميليشيات جيش المهدي، ومنظمة بدر وغيرها من الميليشيات الطائفية التي أشرف على تكوين بعضها باقر صولاغ الذي ألحق الكثير منها في أجهزة الشرطة عندما أصبح وزيراً للداخلية في حكومة إبراهيم الجعفري.
وبعد تفاقم جرائم هذه الميليشيات التي تنوعت جرائمها من سرقة بترول العراق حيث تخصص بعض عناصرها وبإشراف قادة الأحزاب الطائفية لتكوين (مافيا) سرقة البترول، وهذا يفسر سبب القتال العنيف بين هذه الميليشيات والمافيات في البصرة كونها تحتضن أكبر مراكز وآبار بترول العراق.
ولأن الميليشيات أصبحت أكثر قوة من الدولة العراقية، فبعد تحولها إلى (مافيا) حقيقية وبدعم من الدولة الجارة التي كانت الحكومات العراقية السابقة وحتى الحالية وإلى وقت قريب تجامل تلك الدولة على حساب أمن وتماسك المجتمع، فالميليشيات التي تحولت إلى (مافيات) بكل ما تحمله هذه التسمية الرهيبة من مخاطر، وإذا كانت مافيات النفط من أكثر المنظمات المجرمة في العراق عدداً وتأثيراً ولهذا فإن الأحزاب الطائفية تحرص على أن تكون لها تشكيلاتها (المافياوية) والتي تقوم بعمليات تهريب النفط حتى أصبح في العراق والدول المجاورة (سوق سوداء) حقيقية تعكس وضعاً غريباً لا نجده إلا في العراق، فقوات الاحتلال بالإشراف على خطوط أنابيب النفط غير الرسمية وبفضل هذه الشراكة الغريبة وغير السوية يتم نقل النفط المهرب والمسروق إلى الخارج وأساساً إلى أمريكا والدول الغربية.
أما نشاط مافيا المخدرات وعادة ما يجري نقل الكميات الضخمة من المخدرات عبر المناطق الجنوبية للعراق من إيران إلى دول الخليج بما فيها المملكة العربية السعودية. وأما العراق فتعد منطقة الوسيط ومنطقة القادسية والمناطق المجاورة لها من أهم مراكز صناعة المخدرات التي تجري فيها زراعة الخشخاش ويتم تحويله إلى حشيش خام. فوفقاً للمعلومات من وزارة الصحة العراقية ارتفع مستوى استهلاك المخدرات وانتشارها في البلاد إلى درجة خطيرة للغاية إذ 3 من 10 أشخاص عمرهم ما بين 18 و30 عاماً تعودوا على المخدرات. وتتوسع فعاليات إجرامية في مجال الصحة والطب حيث يزداد حجم تهريب الأدوية وتزييفها وكذلك التجارة بالجوارح الإنسانية.
تشتغل بعض جماعات المافيا بنقل الأسلحة والذخائر عبر كل حدود العراق. وبالإضافة إلى ذلك تقوم بعض فروع المافيا بتجارة الناس على مستوى دولي فتبيع المرأة لمن ينظم الدعارة وتبيع الأطفال كعبيد.
وهكذا حوّل الغزو الأمريكي البريطاني (في مارس 2003) العراق إلى مخزن مشحون بالتوتر دمر الوضع السياسي الداخلي ودمر أسس الدولة السابقة وحوّل العراق إلى مركز للإرهاب الدولي وتجارة المخدرات.
وهذا ما سيؤثر سلباً على الدول المجاورة وخصوصاً الخليجية التي أصبح العراق ممراً لتصدير المخدرات والأسلحة والمشكلات.
jaser@al-jazirah.com.sa