الخليل (الضفة الغربية)
(د. ب. أ)
إذا كان ثمة مكان يرمز للعلاقات المرة والعدائية بين الإسرائيليين والفلسطينيين فإنه مدينة الخليل. فبعد مرور 60 عاماً على اغتصاب فلسطين من الصهاينة وإقامة كيانهم المسمى إسرائيل وازدياد حدة الصراع مع الفلسطينيين فإن الخليل هي صورة مصغرة للنزاع بين الجانبين في أشد صوره بغضاً.
وفي الواقع فإن الصراع في المدينة القديمة الواقعة جنوب القدس وكما هو الحال في أماكن أخرى في فلسطين التاريخية يعود إلى ما قبل ذلك بكثير. وفي السنوات الأخيرة اتسم الصراع في الخليل على وجه الخصوص بالخطورة الشديدة. ولا يزال التعايش السلمي بعيد المنال على الرغم من أنه حدث في بعض القطاعات من المدينة التي امتزج فيها التاريخان اليهودي والإسلامي على مدى قرون من الزمان.
والخليل وهي أكبر مدن الضفة الغربية هي الوحيدة التي يوجد بها جيب للمستوطنين اليهود في وسطها التاريخي مباشرة. وتعيش 90 أسرة يهودية في المدينة بين نصف مليون فلسطيني. وعندما اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الحالية بعد أن وصلت عملية السلام إلى طريق مسدود بدأت هجمات فدائية ضد المستوطنين وراحوا يطلقون النار من أحياء فلسطينية على التلال المحيطة كما هاجموا المستوطنين في شارع الشهداء.
ولحماية المستوطنين داخل الجيب قام الجيش الإسرائيلي بفرض قيود مشددة على حركة الفلسطينيين الذين يعيشون هناك أيضاً. ولا يسمح للفلسطينيين بالسير في قسم يمتد لمسافة نحو 300 متر في شارع الشهداء حتى يستطيع المستوطنون أن يتحركوا بأمان بين مبانيهم الأصلية. وهناك عدد من الشوارع الفلسطينية المحيطة مغلقة أمام السيارات الفلسطينية ومسموح للفلسطينيين بالترجل فيها فقط.
وتفرض نقاط التفتيش المنصوبة كل بضع مئات المترات الحظر على الدخول ويقوم على تشغيلها جنود يقارب عددهم عدد المستوطنين الذين يتولون حمايتهم. وقد أدت القيود المفروضة في المنطقة - والمعروفة بالخليل 1 بموجب اتفاق عام 1997 الذي يقسم المدينة إلى جزء تسيطر عليه إسرائيل وآخر خاضع للسيطرة الفلسطينية يسمى الخليل 2 - الهدف المطلوب وأوقفت الهجمات على المستوطنين في شارع الشهداء. لكن ثمن هذا كان باهظاً. ففي حين أن المستوطنين الذين يقدّر عددهم بالمئات صار بمقدورهم الآن ممارسة حياتهم بشكل عادي فإن حياة آلاف الفلسطينيين انقلبت رأساً على عقب. فقبل انتفاضة عام 2000 كانت منطقة السوق تعج بالحياة والنشاط وتجتذب المتسوقين من كافة أنحاء منطقة جنوب الضفة الغربية لكنها صارت الآن منطقة أشباح. فقد أغلق أكثر من 1800 محل بمحاذاة الشارع الرئيسي داخل المدينة أبوابها. كما أن أكثر من 40 في المئة من المنازل في المنطقة صارت خاوية تنعي ساكنيها الذين هجروها إلى المنطقة الخليل 2 الخاضعة للسيطرة الفلسطينية.
يفسر مايكل مانكين وهو جندي إسرائيلي سابق خدم في الخليل الأمر قائلاً (غالبية المحلات أغلقت أبوابها لأن الأمر لم يعد يستحق مالياً). يقود الجندي الذي صار الآن واحداً من ناشطي السلام جولات حول المنطقة لإثارة الوعي بحقيقة الأوضاع الصعبة التي يعيشها الفلسطينيون هناك. لا يزال هاشم العزة (45 عاماً) وهو أب لاثنين يعيش في المنطقة الخليل 1 التي تسيطر عليها إسرائيل. وهو يحكي ويعرض أفلام فيديو تصور المضايقات المستمرة التي يقوم بها المستوطنون الذين يقوم الشباب منهم بشتم ودفع وإلقاء الحجارة على تلاميذ مدرسة فلسطينية مجاورة. كما قام شباب المستوطنين بنهب منزله ومنازل جيرانه غير ذات مرة. ويقول مانكين إن المضايقات والتحرشات تحدث انتقاماً من هجمات فدائية فلسطينين وأحياناً تحدث دون سبب.
كان العزة قبل الانتفاضة يبيع السيراميك المستورد من إيطاليا . والآن وعلى غرار جميع الفلسطينيين تقريباً في الخليل 1 فإنه عاطل عن العمل. ويقول العزة (إذا أردنا شراء شيء فإنه يتعين علينا الذهاب إلى الخليل 1 والمرور بنقطة التفتيش ثم التسوق والعودة عبر نفس نقطة التفتيش ثانية. والجنود يقومون بتفتيش كل شيء كل مواد البقالة.