جاء في جريدة الجزيرة: (كشفت نتائج مسح ميداني أجرته طالبات في كلية الطب بجامعة الملك عبدالعزيز عن ارتفاع معدلات العنف الأسري بين السعوديين. وبينت نتائج المسح تعرض 5% من أفراد العينة للعنف الجسدي). ولا أعتقد أن النسبة دقيقة. فالضرب في تربية الأطفال - مثلاً - هو جزء من ثقافتنا. فيندر أن تجد طفلاً سلم من ضرب والده، أو والدته. وما زلت أتذكر أن آباء الطلاب في جيلي آنذاك كانوا يحثون معلمي أبنائهم على ضربهم، ويعتبرون أن من الحكمة وأساليب التربية، ضرب الصبية وإرغامهم على الأدب، حتى وإن كان ثمن ذلك سحق شخصياتهم، وهز ثقتهم في أنفسهم.
والضرب في الثقافة العربية جزء مرتبط بتربية الأطفال. وهناك الكثير من الحكم والأقوال المأثورة التي تحث الآباء والمعلمين على استخدام (العنف - الضرب) في تقويم اعوجاجات الأطفال، وإرغامهم على الطريق السوي. ويعتقد كثير من الآباء والأمهات أن ممارسة العنف مع أبنائهم أمر مرتبط بضرورة التربية والتقويم، وأنه مورس عليهم من قبل آبائهم ومعلميهم و (ما شافوا شر) كما يقولون، فلماذا نرفضه نحن طالما أنه أسلوب مجرب؟. والحقيقة التي يؤكدها المتخصصون في علم النفسي تقول: إن كثيراً من الانحرافات التي يصاب بها الإنسان بعد النضج تعود بصفة أساسية إلى طريقة تربيته في طفولته، وبالذات إلى سنوات التربية الأولى. فقد أثبتت الدراسات أن الأطفال الذين يتعرضون في سنينهم الأولى للعنف الشديد والقسوة غالباً ما ينشأ لديهم استعداد لممارسة العنف ذاته ضد أنفسهم أو ضد الآخرين.
ولعل تفشي العنف الأسري له ارتباط بشكل أو بآخر بظاهرة الإرهاب. تقول رئيسة لجنة الأسرة بجمعية حقوق الإنسان الأستاذة الجوهرة العنقري: (لا تستهينوا بعلامات العنف، وبالأخ الذي يضرب أخته، فهذا الصغير قد يغدو إرهابياً في المستقبل، وحينها لن يكتفي بضرب فرد، لكنه سيضرب مجتمعاً بأكمله). وهذا في تقديري صحيح وعلمي.
ولو أن الموقوفين في سجون المملكة من المشاركين في الأعمال الإرهابية، أو المحرضين عليها، أجريت لهم حالات رصد لتاريخهم التربوي ودراسة نفسية واجتماعية، ففي ظني أن نسبة كبيرة منهم سيكون للتربية بشكل عام، وللعنف الأسري بشكل خاص، سواء في البيت أو المدرسة، علاقة وطيدة بانحرافهم وامتهانهم عندما كبروا للإرهاب والتشجيع عليه.
ولا يقتصر العنف الأسري في مفهومه العام على العنف الجسدي فحسب، وإنما يدخل في هذا المعنى العنف المعنوي، والذي يتجلى في إهانة الطفل وتقريعه واحتقاره والتقليل من قيمته ومس كرامته وجرح كبريائه، وهذا ما يشير إليه (المركز القومي للدراسات والبحوث الاجتماعية والجنائية بالقاهرة) الذي يؤكد أن تعنيف الأبناء المستمر يربي لديهم عقدة نفسية، تتفاقم مع الوقت والتكرار، لتمثل مشكلة من الصعب مواجهتها، إذ يتحول العنف من الأسرة إلى المجتمع، ويصبح شكلاً من أشكال السلوكيات الشاذة، وضحاياه مؤهلين نفسياً لممارسة الإرهاب النفسي على الأفراد مما يهدد أمن المجتمع.
وأنا ممن يعتقدون اعتقاداً جازماً أن من أسباب تفشي ظاهرة الميل إلى (العنف - الإرهاب) في مجتمعات العالم الثالث أكثر من الآخرين، يعود إلى عدة عوامل، يأتي العنف الموجه للأطفال من قبل الأسرة في مقدمتها.